:
كلاش سياسي
في السنوات الأخيرة، تكررت مجموعة من التصريحات الصادرة عن مسؤولين سياسيين، سواء داخل قبة البرلمان أو في تجمعات حزبية أو حوارات إعلامية، تحمل في طياتها احتقاراً أو تقليلاً من قيمة المواطن المغربي. هذه التصريحات لم تعد مجرد زلات لسان أو تعبيرات عفوية، بل تحولت إلى ما يشبه السلوك السياسي الممنهج لدى بعض المسؤولين، وكأن لا حسيب ولا رقيب على ما يقال.
أمثلة هذه الإساءات كثيرة، ويمكن التذكير ببعض المحطات التي خلفت موجة غضب واسعة لدى المغاربة. سنة 2014، خرج وزير في الحكومة بتصريح مثير قال فيه إن جزءا كبيراً من المواطنين لا يرغبون في العمل، واصفاً إياهم بـ”الكسالى”، وذلك في سياق النقاش حول إصلاح نظام التقاعد. بعدها بثلاث سنوات، في 2017، صرح أحد البرلمانيين أن “المغاربة ماقاريينش ومافهمينش”، متهماً الشعب بعدم إدراك تفاصيل السياسات العمومية، وهو كلام وُصف بالمتعجرف والمتعالي. سنة 2019، خلال الحراك الاجتماعي الذي عرفته بعض المدن، وصف مسؤول سياسي المحتجين بأنهم “قاصرون سياسياً ولا يعرفون مصلحتهم”، ما اعتُبر محاولة للتقليل من ذكاء المواطنين وحقهم في الاحتجاج. أما في 2022، فقد عادت موجة الغضب بعدما صرّحت وزيرة بأن بعض المغاربة “يبالغون في الشكوى” وأنهم “غير واقعيين”، وذلك تعليقاً على شكاوى من ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية.
عزيز أخنوش، قال هو الاخر “اللي ما عندوش التربية خاصو يعاد تربيتو”، موجهاً كلامه إلى منتقدي حزبه وبعض الأصوات المعارضة. هذا الكلام فُهم على أنه استعلاء على المواطنين، وأنه يصنف المنتقدين كـ”قليلي تربية”، وهو ما فجّر موجة من الغضب والاستهجان، خصوصاً أن التصريح جاء من رجل يتولى مناصب حكومية ومسؤول عن ملفات اجتماعية مهمة.
عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق وزعيم حزب العدالة والتنمية، كان بدوره معروفاً بخطاباته التي تمزج بين السياسة والدين والسخرية. في أكثر من مناسبة، وجّه انتقادات لاذعة إلى المحتجين أو المعارضين، ومن بين أشهر تصريحاته قوله إن “المغاربة خاصهم غير شوية ديال البغرير والمسمن باش يسكتو”، في سياق التقليل من وقع الأزمة الاجتماعية. كما وصف بعض المحتجين بأنهم “كيهضرو بزاف وماعارفين والو”، وهو ما اعتُبر استخفافاً بمعاناة فئات واسعة من الشعب.
أما الحسن الداودي، الوزير السابق المنتسب إلى حزب العدالة والتنمية، فقد تورط في تصريحات أغضبت الرأي العام، خاصة خلال حملة المقاطعة التي شنها المغاربة سنة 2018 ضد شركات الحليب والمحروقات والماء المعدني. الداودي خرج حينها في تجمع احتجاجي دفاعاً عن شركة مستهدفة بالمقاطعة، وقال إن “المغاربة خاصهم يفهمو أن المقاطعة تضر بالاقتصاد الوطني”، ثم أضاف في خرجة أخرى أن “اللي ماعاجبوش الحال يهاجر”، وهي جملة شكلت صدمة كبيرة لدى المواطنين، إذ اعتُبرت تنكراً من مسؤول لحجم الغضب الشعبي بدل محاولة فهمه
عبد اللطيف وهبي حين قال : “باه قراه وخسر عليه الفلوس”، وذلك ردًا على الانتقادات الموجهة لنتائج امتحان المحاماة. بالإضافة إلى تصريحات كثيرة وعديدة وذات اساءات عميقة
هذا النوع من التصريحات يضرب في العمق الثقة المفترضة بين المواطن والمسؤول. فالمواطن حين ينتخب ممثليه، يمنحهم تفويضاً للدفاع عن مصالحه وتمثيله بكرامة، لا لتحقيره أو الانتقاص منه. الإساءة اللفظية للمواطنين من طرف مسؤولين يفترض فيهم احترام المؤسسات والشعب، تعكس خللاً في الوعي السياسي والثقافة الديمقراطية.
ورغم توالي هذه الأحداث، لم يصدر إلى حدود اليوم أي قانون يجرم هذا النوع من السلوك السياسي المسيء. غياب إطار قانوني واضح وصريح يفتح الباب أمام المزيد من الانزلاقات، ويجعل المسؤول في موقع فوق المساءلة، خصوصاً إذا كانت له حصانة برلمانية أو حزبية. المشرع المغربي، وهو الجهة التي من المفروض أن تسن القوانين التي تحمي كرامة المواطن، لم يبادر بأي مقترح واضح لتأطير هذا النوع من السلوك، وهو ما يطرح علامات استفهام كثيرة: هل هناك تواطؤ غير معلن على ترك المجال مفتوحاً؟ أم أن المواطن ما زال في نظر بعض السياسيين الحلقة الأضعف التي يمكن إهانتها دون عواقب؟
ما يطالب به اليوم عدد متزايد من الأصوات هو ضرورة سن قانون يجرم الإساءة للمغاربة من طرف المسؤولين، على غرار قوانين محاربة خطاب الكراهية أو العنصرية. القانون ينبغي أن يشمل تعاريف دقيقة لما يُعتبر إساءة أو تحقيراً أو احتقاراً لكرامة المواطن، ويُحدد العقوبات الممكنة، سواء كانت إدارية أو جنائية أو سياسية (مثل العزل من المنصب أو المنع من الترشح).
الكرامة ليست شعاراً يُرفع في الخطب، بل هي ممارسة سياسية وقانونية يجب أن تجد طريقها إلى نصوص واضحة وملزمة. السكوت عن هذه الإساءات يجعلها تتكرر، ويحول العلاقة بين المواطن والدولة إلى علاقة انعدام ثقة ونفور. المسؤول حين يتكلم، يجب أن يعلم أنه يتحدث باسم الشعب، لا ضده.
حين تطالب بسن قانون يحمي المواطنين من تهجم من يشكلون النخبة الحاكمة، فانت تتكلم عن دولة ديمقراطية !!!!!
ونحن في بلد ،المواطن آخر من يعطونه اعتبار …بل يريدون تربيته على منهجهم الخاص