“نيران عاشوراء”.. بين لهو الشباب ووهم فكّ السحر

7 يوليو 2025
“نيران عاشوراء”.. بين لهو الشباب ووهم فكّ السحر

كلاش بريس /. نبيل الربيب

في كل سنة، تعيش العديد من الأحياء الشعبية المغربية طقوساً خاصة ليلة عاشوراء، حيث يعمد الشباب إلى إشعال النيران في الشوارع مستخدمين إطارات السيارات القديمة، وسط جو من الصخب والمفرقعات والطبول.

هذا المشهد الذي يبدو في ظاهره احتفالياً يخفي في باطنه موروثاً من الخرافة والمعتقدات المرتبطة بالشعوذة، إذ يؤمن كثيرون أن هذه النار ليست فقط وسيلة للتسلية، بل وسيلة “لفسخ السحور” الذي يُعتقد أن النساء دبرنه في هذه المناسبة.

يتحدث بعض المشاركين في هذه الطقوس بثقة عن كون النار تطهر المكان من الطاقات السلبية وتفك الطلاسم المدفونة، كما يُعتقد أن المرور فوق النار أو رمي بعض المواد الخاصة فيها يساعد على التخلص من الأذى والسحر والعكس والحسد، في ممارسات تعود إلى قرون، وما تزال تجد من يصدقها رغم التقدم العلمي والديني.

هذه الطقوس، وإن بدت “تقليداً بريئاً”، إلا أنها تعكس خللاً عميقاً في وعي جماعي يُغذي الخرافة بدل أن يحاربها. فالأصل في عاشوراء أن تكون مناسبة للعبادة والتأمل والصيام، لكنها تحولت في بعض الأوساط إلى مناسبة لتفريغ العنف، ونشر الفوضى، وتكريس فكر الشعوذة والدجل. هنا يتداخل الجهل بالعنف، ويُصبح الاحتفال مناسبة لزرع الخوف في النفوس، وإرباك الأمن، وقطع الطرق، بل وإيذاء الغير أحياناً.

تنامي هذه الظواهر لا يمكن فصله عن واقع يعرف انفلاتاً في القيم، وتراجعاً في دور الأسرة، وانحداراً في تأثير المدرسة والمسجد والإعلام، ما فسح المجال أمام انتشار الفكر السحري في مختلف شرائح المجتمع. ولا يخفى أن المغرب يشهد منذ سنوات اتساعاً خطيراً في مجال السحر والشعوذة، سواء عبر قنوات التلفزيون أو مواقع التواصل أو حتى في الحياة اليومية، حيث أصبح المشعوذون والرقاة يملكون شعبية تفوق الأطباء والعلماء.

ما يجري في عاشوراء ليس مجرد فلكلور شعبي، بل هو مرآة لما تعانيه فئة واسعة من المجتمع من فقر في الوعي، وارتباك في الهوية، وتيه فكري لا يمكن السكوت عنه. فالإيمان بالسحر وتكريس الشعوذة لا يهدد فقط العقيدة، بل يفتح الأبواب للجهل والعنف والانحراف، ويُبقي المجتمع رهينة قوى الظلام.

و لا يخفى على أحد أن ليلة عاشوراء تشهد إقبالاً غير عادي للنساء على محلات العطارة، حيث تلاحظ طوابير طويلة أمام بعض “العطارين” الذين يُعرف عنهم توفير أعشاب وتوابل وأدوات تُستخدم في ما يسمى بـ”الطقوس الروحية” أو “فك السحر وجلب الحظ”. وفي هذه الليلة بالذات، يُسجَّل ارتفاع كبير في الطلب على مواد بعينها مثل “الحرمل”، “السواك”، “الكَفْت”، و”العين د الحوت”، وهي مواد ترتبط في الثقافة الشعبية بوصفات يُعتقد أنها تُستخدم في الحظ أو المحبة أو حتى الإيذاء.

هذا الإقبال المكثف يعزز من الصورة النمطية التي تربط بين عاشوراء وممارسات الشعوذة، ويمنح مبرراً لدى بعض الشباب الذين يشعلون النار معتقدين أنهم بذلك “يحرقون الأعمال” التي تم تحضيرها في السر، أو “يفسخون السحور” الذي يُظَن أنه دُبر لهم. وهكذا تتحول ليلة كان يفترض أن تكون رمزية دينية وروحية إلى ساحة مفتوحة لكل أنواع الخرافات والمعتقدات البعيدة عن العقل والدين. وايضا الى الضرب والجرح ولما لا مواجهة السلطات بالحجارة .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة