من تبرير الفشل إلى تبخيس الآخر : أمكراز ونموذج الازدواجية السياسية في المغرب

4 أكتوبر 2025
من تبرير الفشل إلى تبخيس الآخر : أمكراز ونموذج الازدواجية السياسية في المغرب

كلاش بريس / ع عياش

في خروج إعلامي جديد، وجّه محمد أمكراز، الوزير السابق للشغل وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، انتقادات حادة لحكومة عزيز أخنوش، معتبراً أن حصيلتها “كارثية” ومليئة بـ“الفساد غير المسبوق والريع وتضارب المصالح”.

وقال أمكراز إن الحكومة فشلت في تنزيل الإصلاحات الكبرى، وإن الأرقام التي حققتها “هزيلة جدًا” مقارنة بالوعود الانتخابية، مشيراً إلى أن معدل النمو لم يتجاوز 3.8% في أحسن الحالات، وأن نسبة البطالة بلغت 13.3% سنة 2024، وهو رقم قياسي منذ ربع قرن.

لكن، ما يُثير الانتباه ليس مضمون الانتقاد، بل التحوّل الجذري في خطاب الرجل….فـأمكراز نفسه، حين كان وزيرًا للشغل في حكومة العثماني، كان قد صرّح علنًا بأن “الحكومة غير مسؤولة عن توفير فرص الشغل للعاطلين”، وأن “مهمة الحكومة تنتهي إذا استطاعت تشغيل الجميع”، في اعترافٍ صريحٍ بالتنصل من المسؤولية، وغياب لأي رؤية تشغيلية واقعية.

اليوم، وبعد مغادرته الكرسي، يتحول الخطاب من التبرير إلى الاتهام، ومن التنصل إلى التنديد، دون أن يقدّم مراجعة ذاتية لمسؤوليته السابقة أو اعترافًا بأدواره في صناعة الأوضاع التي ينتقدها اليوم.

إن هذا التناقض الصارخ بين خطاب السلطة وخطاب المعارضة يكشف عن أزمة عميقة في الممارسة السياسية المغربية، حيث لا تُبنى المواقف على قناعات فكرية أو برامج مؤسساتية، بل على موقع الفاعل من السلطة: يُبرّر حين يحكم، ويهاجم حين يُقصى.

ولعلّ هذا النموذج يُظهر أن جزءًا من النخبة الحزبية ما زال يتعامل مع السياسة بمنطق “التموضع” لا بمنطق “المسؤولية”، ما يعمّق أزمة الثقة لدى الرأي العام، ويُضعف صورة الفعل السياسي كمجالٍ لتقديم حلول واقعية بدل تبادل الاتهامات.

فإذا كان أمكراز يرى اليوم أن الحكومة فشلت في محاربة الفساد والريع، فإن السؤال الأجدر هو: أين كان هذا الوعي حين كان في قلب السلطة، ويمتلك القرار والوسائل لتصحيح المسار؟

من دون مراجعة ذاتية ومحاسبة أخلاقية، ستبقى الممارسة السياسية في المغرب تدور في حلقة مفرغة، يتغيّر فيها الخطاب بتغيّر الكراسي، وتضيع فيها المصداقية، وهي رأس مال أي مشروع سياسي جاد.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة