مدارس الريادة.. نفخ في النقط وتحويل التلميذ إلى روبوت مطيع !!!

1 سبتمبر 2025
مدارس الريادة.. نفخ في النقط وتحويل التلميذ إلى روبوت مطيع !!!

كلاش بريس

مع رجوع التلاميذ لمدارسهم، نستذكر “عشْراوات وتِسْعاوات” مُشتَّتَةٍ أحرزها أبناء المدارس العمومية (على غير عادةٍ) في نتائج نهاية الموسم الماضي، ما يعطي انطباعا أن التعليم العمومي استرجع عافيته، مُتجاوزا مرحلة الإنعاش مُنطلقلا نحو “الرِّيادة”! الرِّيادة؛ كلمة السر!

نموذج مدارس وصل عددها 2600 مدرسة حتى بداية موسم 2024/2025، بمليون و300 ألف تلميذ ابتدائي، 44 ألف أستاذ و450 مفتش، وتجربة على 70 ألف متعثر (غير محظوظ) في الثانوي الإعدادي هذا الموسم، تقول الحكومة (والدولة) أنها (مدارس الرِّيادة) المفتاح السري لإصلاح التعليم العمومي في البلاد.

بميزانية 15 ألف درهم للفصل، سبورة بروجيكتور و”بْريم” سنوي يتيم للمُدرسين الذين يقبلون الانخراط الطوعي في “التجربة”، تعتمد “مدارس الرِّيادة” ما يُطلق عليه “التعليم الصريح”، أي التدريس بالهدف (الأمر) المباشر! المعلومات تُقدم واضحة صريحة للتلميذ الذي لا يجب عليه سوى الحفظ والاسترجاع الحرفي، وإلا !!!

مقاربة التعليم بالكفايات المعمول بها في المدارس العمومية العادية، ورغم فشلها بسبب ضعف الوسائل لا عِلة الطريقة، تعتمد تطوير مهارات المُتعلم لتتجاوز المعرفة المجردة إلى تعزيز القدرات العلمية والتطبيقية، وتنمية وتحفيز التفكير النقدي. منهجية حل المشكلات في مقاربة التدريس بالكفايات تُدرب التلميذ على مواجهة متطلبات الحياة والعمل، عكس المدارس الرائدة التي تُفرخ روبوتات تفعل ما تُؤمر.

في الأسلوب، تتبنى مدارس وزير المصّاصة الرائدة أسلوب التعليم المُباشر والمُوجَّه بأهداف واضحة ومُنظمة، لا تستدعي استخدام المتعلم لعقله ولا لملكاته وقدراته، بل يكتفي بذاكرته! نفس بيداغوجية التدريس بالأهداف المُعتمدة قبل عقود، والتي خسر المغرب آلاف المليارات للخروج منها؛ زوَّقوها بكلمة “رائدة” وتوكلوا على اللاّت، والعُزى، ومناة الثالثة الأخرى!!

في مقاربة الكفايات، يكتسب المُتعلم القدرة على العمل والتصرف، بشكل خاص (كفايات مرتبطة بمادة دراسية معينة) وعام (كفايات استراتيجية كالتواصل، القيادة، وحل المشكلات) من خلال مواقف (وضعيات) تعليمية حقيقية (التعليم التعاوني، المشاريع..). يتعلم التلميذ من خلال التجربة والممارسة العملية.

الأستاذ في مدارسهم البائدة يُشرف و يوجه ويدعم معارف التلميذ في منحى محدد سلفا، ويتأكد باستمرار من ترسيخ مبدأ السمع والطاعة من خلال تغذية راجعة مستمرة بينه وبين المُتعلم.

في مقاربة الكفايات، يلعب المدرس دور المُرشد والمُحفِز للتلميذ حتى يتمكن من مهارات التعليم الذاتي (مزيدا من الاستقلالية عن المدرس، المؤسسات..). يتم تشجيع المتعلمين على الاكتشاف والتفكير النقدي، مع إشراكهم في الأنشطة التعليمية بطرق تفاعلية؛ يتنمى لديهم حس المسؤولية في تعلمهم. عكس تقنية “بضاعتنا رُدت إلينا” في مدارسهم البائدة، وطريقة تعليم سيدنا الخضر لرسول الله موسى: لا تسألني عن شيء حتى أُحدث لك منه ذكراا!!

في تقييم النتائج، تعتمد مدارس التعليم المُباشر (الرائدة) منهجية التقييم المستمر ليتأكد المُلقِّن من أن البق لن يزهق، مع تغذية راجعة (ردود الفعل التصحيحية- Corrective feedback) تساعد الأستاذ (الآمر) على التيقن من استيعاب التلميذ (المأمور) لجميع الأهداف المُسطرة (الأوامر).

في التعليم بالكفايات، يكون التقييم شاملا معتمدا مجموعة مؤشرات ومعايير تأخذ بعين الاعتبار مدى تحقيق المتعلمين للكفايات المطلوبة (كفايات علمية، ومهنية وشخصية). يُمنح المُتعلم نقطا وفق مدى تمكنه من تطبيق المهارات والمعارف في مواقف متنوعة.

برغم زعمهم أن مدارس الريادة تُدرس وفق المستوى المناسب، فتشطُر مجموعة القسم إلى متعثرين، متوسطين ومتفوقين، إلا أن اكتظاظ الفصول والتعب المادي والمعنوي للمُدرسين، وعدم كفاية الدعامات الديداكتيكية يدفعون الأستاذ(ة) للتركيز على المُتعثرين، وإهمال المتفوقين أو الذين لا يعانون مشاكل تعلمية.

امتحان السادس ابتدائي في مدارسهم البائدة يوضع، بشكل مُوَحد وطنيا أو إقليميا، بأهداف الرابع ابتدائي، فترى العشراوات والتسعاوات تتشاير، ويُعطى انطباع خاطئ لمجموع الفاعلين التربويين بكون المُقاربة فعالة ناجعة في تجاوز الصعوبات وتحقيق الأهداف.

مع وصول نسبة تلاميذ الابتدائي داخل مدارسهم البائدة 30%، بدأ الصهد في الوصول لباقي الـ 70% من المؤسسات العمومية العادية الذين “طلقو اللعب ونزَّلو الباريير” كي لا يظهروا كسالى أمام أسيادهم الرُّواد. النتيجة: غرس وتأكيد عقلية المدارس الخصوصية في القطاع العمومي: التنافس على النقط ونسب النجاح، بعيدا عن الفعالية الحقيقية.

نُقط أخيرة رغم الإطالة:
☆ رسميا، يعتبر الانخراط في مشروع المدارس “الرائدة” طوعيا بالنسبة للأستاذة، لكن على أرض الواقع يُفرض المشروع فرضا لكون الأساتذة لم يعودوا شركاء في العملية التعليمية التعلمية، بل مجرد “موارد” بشرية تخضع لتدبير الإدارة (منطق الشركات).

☆ المدارس “الرائدة” لا تكتفي بتنزيل مستوى الفروض والامتحانات حتى يتأتى “تحقيق الأهداف”، بل يتم عُنوة تضخيم النقط بفارق كبير بين نقط المراقبة والنقطة النهائية على منظومة مسار. في مقابل النفخ في نقط المُتعثرين، يتم “فَرمَلة” نقط المتفوقين عند مستوى معين لإظهار تجانس كاذب داخل مجموعة القسم.

☆ مدارس التعليم الخصوصي غير معنية بهذا التبرهيش المحصور بفئران التجارب أبناء الكادحين.

☆ التلاميذ خريجو مدارس “الريادة” يلتقون في الإعدادي مع خريجي مدارس العادة العموميين، ونخبة القطاع الخاص. وسواء طلَّع أساتذة الإعدادي والثانوي العتبة أم خفضوها، يبقى الضحية الوحيد هو التلميذ المُفقَّر المأكول في رزقه وحقوقه، الملعوب في مستقبله!

كتبه أيوب الرضواني :

باحث في الجغرافيا السياسية والاقتصاد السياسي، ومستشار في السياسات العمومية. صفحته على الفيسبوك :

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة