كلاش بريس
هناك “سد عالي ” يفصل بين الفقراء والأغنياء..هناك كثرة تأكل الجوع وقلة تجتري التخمة .. هناك إستيلاء فاحش على الثروة ولتطويق هذا النهب يمجدون القناعة بتلك القولة الشهيرة ” الفقر ماشي عيب ”
هناك أرواح بشرية تعيش على الهامش تموت ببطيء تنتظر سعادتها المؤجلة بالجنة ..وهناك قلة تمتطي الأكتاف تردد على مسامع الفقراء شعارات “الصبر” و ” القناعة ” و ” الحلال الطيب ”
بين الفقراء والأغنياء هوة شاسعة مؤلمة …والذي قال بأن الفقر ليس عيبا، كان يريد أن يكملها ويقول: بل جريمة، ولكن الأغنياء قاطعوه بالتصفيق الحاد .
في هذه السلسة … سنداهم بالموافقة حياة مغاربة يعيشون الويل والدمار النفسي …مهمتنا تقتصر على الإستماع والمشاهدة والتدقيق في الأسباب والتوقف كثيرا عند الإهتمامات و الخلاصات ..فتحنا هذا الباب وكلنا أمل أن يجسد في الأرض رأي أفلاطون عندما قال: “يجب ألا يكون بين المواطنين سواء الفقر المدقع أو الثروة المفرطة لأن كليهما ينتج شرا عظيما” .
مطلقات عفيفات … مهن متعددة من اجل لقمة عيش حلال
تصرفاتهن تحت المجهر ..دائما في قفص الإتهام .. ورقة صادرة عن قاضي الأسرة تحول المطلقة إلى سخرية وفريسة وعرضة للقيل والقال ..بمعنى ادق تصبح عاهرة مسموح لها بارتكاب الخطية ومجبرة على القبول في كل وقت وزمان
مطلقات حائرات بين وضعهن الجديد وحلاكة الزمن إذا ما خلف الانفصال أولاد.,,.لقائي اليوم مع مطلقة يرمي عليها زوجها الطلاق بالثلاث ..معها في الحياة نوفل وأسماء ..تتولى تربيتهم وتعليمهم ورعايتهم دون أن يقدم لهم الوالد أي نفقة .. ربيعة الأم ستكون نموذجا لكل النساء المطلقات اللواتي خرجن للعمل وفي قناعتهن أن الرزق الحلال أعلى مرتبة من أموال كثيرة بطعم تفوح منه الفاحشة
ربيعة بائعة الفطائر ..تقوم في الصباح الباكر لتحضير “العجينة ” بعد أن تكون قد طهت غداء الأبناء وجهزت كل متطلباتهم اليومية ..تُسخر كل جهدها للبيت والتجارة .. لاشيء أسمى من عودتها وبحوزتها رزقا يكفيها لسد رمق الأبناء
تقول ربيعة .. أُعد الفطائر وأحمله ساخنا إلى مكاني بمدخل المدينة حيث اعتاد الناس أن يشتروا مني دائما من نفس المكان، حتى صار لدي زبائن دائمين ..
تُردف ربيعة القول بافتخار ..أجني ربحا لا يتجاوز 50 درهم في اليوم.. أعيل أسرتي ولا أجد حرجا في العمل.. فظروف الحياة صعبة تجبرك على التضحية للعيش بكرامة.
نتحدث هنا مع ربيعة الأربعينية التي كان بإستطاعتها أن تعيش في رخاء لو سلكت طريق الخطيئة .. نتحدث هنا مع ربيعة التي فضلت الفقر على دراهم” العراء الليلي ” ..حديثنا مع سيدة فرت من بيت زوجها الذي كان لا يوفر فرصة إلا ويضربها فيها، وفي بيت أهلها تمت معاملتها كخادمة، ومنعت من الخروج من بيت العائلة، لأنها امرأة مطلقة…نتحدث عن ربيعة التي قاومت كل هذا الحيف لتكون سيدة نفسها وسط غابة دئابها كثر
تقول ربيعة ..لا يقتصر التحرش على الشارع .. فحتى رجال العائلة ينظرون اليها وكأنها مارست الخطيئة وعادت إلى بيتها…الى غاية اليوم وبالرغم من مساري العملي الشاق فأنا في نظر البعض منهم غاية سهلة للكل ..الشك يحيط بي وانا اقاوم كل هذا العبث ـ تقول ربيعة ـ
ربيعة رغم الألم ..لاتستهوي تعكير حياة طليقها وليس في حسبانها خلق المشاكل له أو وتشويه سمعته، وتلقين أبنائه أبجديات الحقد عليه، فالسيدة مقتنعة كل الاقتناع ان رغبتها في تحقيق ذاتها هو الشيء حفظ كرامتها وهيبتها لدى طليقها وحقّق لها السلام النفسي وراحة البال، … ربيعة ترفعت عن مبادلة طليقها “الإساءة بالإساءة…..”
حديث ربيعة طويل ..لا تخرج من محنة حتى تدخل في سرد اخرى ..وليس لديها أي تحفظ في ذلك ..فهي تقتفي القول لأجل التخفيف من العذاب اليومي الذي تصادفه ..ويبقى تاريخها وهي شابة بين افراد عائلتها انبل واسعد ايامها بالمقابل تربط عذابها بزواجها الذي تحركت فيه الدفوف لينتهي بمعاناة .
ربيعة تشتغل ..وتعيل وتحاول ان تكون قادرة على توفير احتياجاتها كاملة ..لكنها خائفة كل الخوف من المستقبل الذي لا تعرف أي طارئ يخبيه لها ..وبقدر ماهي خائفة من هذا الأمر بقدر ما هي خائفة م عن اولادها ..تكمل هذا الشق من حديثها بـ ” الله قادر بيهم ”
لا حديث لربيعة عن الدولة او المخزن ..لاتعليق لديها حول القضايا الراهنة ..لا كلام لها عن الحكومة ..في كل مرة نحاول ان نناقشها في امر ذو صبغة سياسية او له علاقة بالدولة تنبس بلفظ واحد ..”واش عقلتي على مي فتيحة مولات البغرير خلينا غي فيا ”
هكذا كانت تقول وكأنها تحاول الختم ” اللهم همي نحكيه وهو تاعي ولا نتكلم في شأن ماقادة عليه ..” ربيعة تتذكر جيدا قصة ” مي فتيحة ” التي احرقت نفسها بالقنيطرة ..تسرد لنا القصة من جديد ونحن سنتسمع لها وكأننا لا علم لنا بالقضية التي هزت المغرب