كلاش خريبكي
لا يمكن للمواطن الخريبكي أن يراهن بجدية على أحزاب سياسية اختارت طواعية إغلاق مكاتبها المحلية والإقليمية، وانخرطت في “هدنة غير معلنة”، مفضلة الانغلاق على الذات وقطع جسور النقاش الداخلي
هذا الوضع لا يمكن تفسيره إلا كنتيجة مباشرة لضعف الديمقراطية الداخلية، الذي يطبع أغلب الأحزاب السياسية بالمغرب.
هذا الضعف، الذي لا يختلف عليه اثنان، راجع أساسًا إلى الطابع السلطوي والمركزي الذي تتحكم به “القيادات”، وهو ما يجعل التنظيمات أقرب إلى الأجهزة المغلقة منها إلى أحزاب حقيقية تؤمن بالمشاركة والانفتاح.
وفي هذا السياق، لا يمكن التغاضي عن صمت حزب العدالة والتنمية بخريبكة، ليس من باب التحامل، ولكن لأنه يمثل حالة استثنائية مقارنة بصمت باقي الأحزاب الذي بات أمرًا “اعتياديًا”، بينما كان يُفترض أن يشكل حزب “المصباح” استثناءً بفضل تاريخه في الحضور والنقاش والمبادرة.
المكاتب المحلية والإقليمية لمعظم الأحزاب بالمدينة باتت شبه مفرغة من دورها التأطيري، ويبدو أن العدوى لم تستثنِ “البيجيدي”، رغم أن أمينه العام، عبد الإله بنكيران، لا يزال يقارع الحكومة وينتقد أداءها بشكل مباشر، شأنه شأن الفريق النيابي للحزب في البرلمان.
لكن إذا ركزنا على حالة خريبكة، فإننا نجد أنفسنا أمام تنظيم يعاني انقسامات داخلية، يغلب عليها الطابع الشخصي، بعدما كان يُعرف بروح العمل الجماعي والانضباط للمبادئ، وليس للأشخاص أو المصالح.
البحث البسيط في محرك “غوغل” يُظهر أن فروع الحزب في جماعات أخرى لا تزال تصدر بيانات وبلاغات، وتتابع الشأن المحلي عن قرب، بينما في خريبكة يسود صمت تام، وكأن الحزب غائب تمامًا عن الوجود.
هذا الغياب يطرح أكثر من سؤال: هل هي تحالفات خفية؟ أم اصطفافات جديدة؟ من حق أي حزب أن يختار استراتيجيته السياسية، ولكن من حق المواطن أيضًا أن يتساءل عن خلفيات هذا الصمت، خاصة وأن “البيجيدي” لم يكن حزبًا ضعيفًا أو متفرقًا في يوم من الأيام، بل اختار دائمًا وحدة الصف وتفادي الانقسامات رغم اختلاف وجهات النظر داخله.
وإذا كان الحزب بخريبكة قادرًا على احتواء خلافاته الداخلية دون أن تنفجر إلى العلن، فإنه في المقابل غير حاضر في المجلس الجماعي، ولا يُسمع له صوت في تدبير الشأن المحلي، مما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة:
ما الذي يُسكت “البيجيدي” إلى هذا الحد؟
هل الأمانة العامة راضية عن هذا النكوص التنظيمي؟
وكيف سيتوجه مناضلو الحزب إلى الشارع الانتخابي مستقبلاً في ظل هذا التراجع المقلق؟
كل هذه الأسئلة تطرح نفسها بحدة، خاصة لمن يعرف حجم الحضور السابق للحزب في الميدان، ويقارن بين الأمس واليوم.