كلاش. بريس
يبدو أن الجزائر وجدت أخيرًا ما تبرع فيه دون منازع: تحويل وسائل الإعلام الرسمية إلى مسرح درامي يعرض سيناريوهات متكررة بميزانية ضعيفة، وإخراج تقليدي، لكن بإصرار غير مسبوق على تعليق مشاكل البلاد على شماعة “المملكة الجارة”.
ففي عرض إعلامي جديد لا يختلف كثيرًا عن سابقيه، أعلنت القنوات الرسمية الجزائرية عن “اكتشاف نفق سري” يعبر من التراب المغربي نحو منطقة باب العسة في ولاية تلمسان. لم يكن هذا النفق، بحسب الرواية، مشروعًا لربط الأواصر بين الشعوب أو لتسهيل حركة البشر، بل اتُّهم بأنه ممرٌّ سري لتهريب الحشيش… تلك المادة التي تحوّلت، في الخطاب الرسمي الجزائري، إلى “سلاح استراتيجي” تستعمله الرباط لزعزعة استقرار الجارة الشرقية.
وبطبيعة الحال، لم تنسَ القنوات الجزائرية أن ترفق تقريرها المثير بصور تُظهر ما قيل إنه النفق المعني، لتمنح المشاهد جرعة إضافية من التشويق، لا تختلف كثيرًا عن إنتاجات أفلام الأكشن منخفضة الجودة.
غير أن الجديد في هذه التهمة ليس مضمونها، بل توقيتها، الذي يتزامن مع استمرار العزلة الإقليمية والدبلوماسية التي تعيشها الجزائر، مقابل تنامي الحضور المغربي عربيًا، إقليميًا ودوليًا. ولعل هذه الإنجازات المتوالية للمملكة تدفع بعض الجهات في قصر المرادية إلى استدعاء “النفق” و”القرقوبي” و”الحشرة القرمزية” وحتى “الطقس المغربي السيء” كمبررات لفشل داخلي لا يريد أحد الاعتراف به.
فمن تهريب المخدرات إلى افتعال الحرائق، ومن تدمير المحاصيل إلى التشويش على زيارات رسمية… يبدو أن المغرب – حسب المخيلة الجزائرية الرسمية – قد تحوّل إلى كائن خارق، لا ينام، ولا يكلّ، ويمتلك قدرة عجيبة على التسبب بكل شيء، حتى في انهيار شبكات الصرف الصحي!
وفي انتظار اكتشاف “نفق آخر”، ربما يصل هذه المرة إلى القمر، يستمر الإعلام الجزائري في أداء دوره البطولي: صناعة أعداء وهميين، لتبرير أزمات حقيقية.