كلاش بريس / ع عياش
في سابقة من نوعها داخل قطاع الصحة، خرج الدكتور أحمد الفارسي، أحد الأطر المعروفة بالمستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير، بتهديد صريح موجّه مباشرة إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي، منحه فيه مهلة 72 ساعة لتصحيح ما وصفه بـ”الخطأ” المرتكب في حق الأطباء والمشرفين على قاعة العمليات، ملوّحاً في المقابل بـ”فضح المسرحية التي تقع”.
تهديد علني بهذه الصيغة لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يطرح سؤالاً جوهرياً حول طبيعة المعلومات التي يملكها هذا الطبيب، والتي دفعته إلى استعمال لغة “الإنذار” و”الفضح” و ” التهديد ” في مواجهة الوزير. فما الذي يعرفه الفارسي؟ وما هي المسرحية التي يتحدث عنها؟
كل المؤشرات توحي بأن الأمر يتجاوز مجرد خلاف إداري أو سوء فهم في تدبير مصلحة طبية. فحين يُلوّح مسؤول طبي بـ”كشف المستور”، فإن ذلك يعني أن هناك وقائع أو قرارات أو معطيات يعتبرها خطيرة، وربما تمسّ جوهر المنظومة الصحية أو سلامة المرضى أو نزاهة التسيير.
وإذا كانت هذه “المسرحية” ـ حسب تعبيره ـ تتعلق فعلاً بمعطيات حساسة داخل المستشفى فإن مجرد التلويح بكشفها مشروطاً بإصلاح خطأ إداري، يضع الجميع أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية جسيمة.
الواقع أن المغاربة تابعوا هذا التهديد بذهول، لأن ما قيل علناً ليس كلاماً عادياً، بل اتهام مبطّن يطال مؤسسة عمومية يفترض فيها الشفافية والمحاسبة. فحين يصبح “السكوت” عن الحقيقة رهيناً بتصحيح وضع، نكون أمام مشهد مربك، يوحي أن الملفات داخل المستشفيات لم تعد تقنية فحسب، بل صارت سياسية وإدارية وربما أخلاقية.
وفي ظل هذا الغموض، تبقى النيابة العامة بأكادير الجهة الوحيدة القادرة على وضع حدّ للتأويلات، عبر استدعاء الدكتور الفارسي وسماع تصريحاته، لأن ما يُتداول اليوم في الفضاء العمومي لا يمكن تجاهله. فكل تأخير في توضيح الحقيقة يزيد من الشكوك والريبة، ويهزّ ثقة المواطنين في المنظومة الصحية.
وحتى إن استجاب الوزير لمطلب الطبيب، وصحّح ما يعتبره “خطأ”، فإن السؤال سيبقى قائماً:
هل ستُطوى صفحة “المسرحية”؟ أم أن الفارسي سيظل محتفظاً بأسرار تمسّ صحة المغاربة؟
إن الحق في المعلومة والمسؤولية في التبليغ، مبدآن لا يحتملان المساومة. وإذا كان هناك فعلاً ما يُهدّد سلامة المرضى أو يسيء لتدبير مؤسسة عمومية، فإن الصمت جريمة، والمكاشفة واجب.
–