مرة أخرى، تكشف البرامج الحوارية السياسية في المغرب حجم التناقض والارتباك داخل مكونات الأغلبية الحكومية، وتفضح غياب الانسجام في الخطاب السياسي لأحزاب يفترض أنها تشترك في رؤية وبرنامج حكومي واحد.
خلال مروره في برنامج “نكونو واضحين”، فاجأ نزار بركة الرأي العام بتصريحه الذي أكد فيه أنه يحضر النقاش بصفته أمين عام لحزب الاستقلال، وليس كوزير للتجهيز والماء في حكومة عزيز أخنوش. هذا الموقف الذي قد يبدو عادياً للبعض، يحمل في عمقه رسالة سياسية مشفرة، تعكس توجهاً واضحاً نحو النأي بالنفس عن مسؤولية الأداء الحكومي الذي بات يثير غضب الشارع المغربي.
فعندما يختار زعيم حزب مشارك في الحكومة أن يتحدث باسم حزبه فقط، فهو عملياً يعلن تبرؤه من حصيلة العمل الحكومي الذي شارك في صياغته وتنفيذه. وكأننا أمام مرحلة جديدة، حيث يسعى كل حزب إلى رسم حدود واضحة بينه وبين شركائه، استعداداً للمعركة الانتخابية المقبلة، ومحاولة لتبرئة الذمة أمام المواطنين الذين يشتكون من غلاء الأسعار، وارتفاع معدلات البطالة، وتدهور الخدمات الأساسية.
هذا المشهد يعيد إلى الأذهان سوابق مماثلة، حين كانت أحزاب الأغلبية تتقاذف المسؤولية في الأزمات، بدل أن تتكلم بصوت واحد، وتتحمل مسؤوليتها السياسية والأخلاقية أمام الرأي العام. فماذا تبقى من “الانسجام الحكومي” الذي طالما تغنّت به مكونات الأغلبية؟ وأين اختفى الخطاب الموحد الذي وُعِد به المغاربة منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة؟
إن تصريح نزار بركة ليس مجرد تفصيل صغير في برنامج تلفزيوني، بل مؤشر على بداية التفكك داخل أغلبية تعاني من عجز في التواصل، وضعف في التنسيق، وغياب رؤية مشتركة. فكل حزب بات يفكر في موقعه الانتخابي، أكثر مما يفكر في التزامه الحكومي. وكل زعيم يسعى إلى تحسين صورته الفردية، ولو على حساب التضامن الحكومي الذي يُفترض أن يكون أساس العمل المشترك.
الناخب المغربي ليس ساذجاً، وهو يلاحظ اليوم كيف تتحول الأغلبية من فريق واحد إلى جزر سياسية متباعدة، وكيف يسعى كل طرف إلى “تبييض وجهه” أمام الشارع، عبر خطاب يُحمّل الآخرين مسؤولية الإخفاقات.
وفي ظل اقتراب موعد الانتخابات، يبدو أن “نكونو واضحين” تحوّل فعلاً إلى اختبار للوضوح، لكنه وضوحٌ من نوع آخر: وضوح الانقسام، وتبادل التهم، ومحاولات التنصل من الفشل.
ويبقى السؤال: إذا كانت الأحزاب المكونة للحكومة عاجزة عن التحدث بصوت واحد أمام الكاميرا، فكيف ستقنع المغاربة بأنها قادرة على إدارة شؤون البلاد بشكل منسجم ومسؤول؟