كلاش بريس /. الرباط
في واقعة أثارت الجدل داخل الأوساط الطبية، كشف طبيب مغربي عن ممارسات مثيرة للقلق تقوم بها بعض المصحات الخاصة في مناطق نائية بالمغرب، حيث تُنظم قوافل طبية ظاهرها الإحسان، وباطنها استنزاف موارد صندوق التأمين الإجباري عن المرض “AMO”.
الطبيب روى قصة تلقّيه اتصالاً من صديق أبلغه أن والدته، وهي سيدة مسنة تقطن بدوار جبلي ناءٍ نواحي تالوين، زارت قافلة طبية قدمت إلى المنطقة لتقديم ما سُمّي بالخدمات المجانية لساكنة “المغرب المنسي”. غير أن القافلة، حسب رواية الطبيب، بدأت عملها بعملية “فرز” دقيقة بين الساكنة، حيث تم التركيز على من يتوفرون على تغطية صحية “AMO”، قبل أن تُطلب من السيدة، رغم أنها لا تعاني من أي مرض، التنقل إلى مصحة خاصة في تارودانت لإجراء فحوصات “معمقة” على القلب.
المفاجأة كانت عندما تبين أن الأمر يتعلق بإخضاعها لفحص معقد يُعرف بـ”قسطرة شرايين القلب”، وهو فحص دموي يتم داخل قاعة عمليات ولا يُجرى إلا في حالات مرضية محدودة جداً، بعد استيفاء مراحل تشخيصية دقيقة تشمل الفحص السريري والتخطيط والتحاليل والفحص بالصدى واختبار الجهد، وهو ما لم يحدث في هذه الحالة.
وأضاف الطبيب أن مثل هذا الفحص يتطلب عادة موافقة مسبقة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قبل تغطية تكاليفه، غير أن ما وقع يثير الشكوك حول كيفية تمريره، خاصة وأن نتائج الفحص كانت “عادية تماماً”، كما حدث مع عدد من سكان دواوير مجاورة خضعوا للفحوص نفسها وغادروها في اليوم ذاته.
ويرى الطبيب أن ما جرى ليس حالة معزولة، بل يعكس تحولاً خطيراً في طريقة تعامل بعض المصحات مع منظومة التغطية الصحية، حيث تجاوز الأمر “الفحوصات غير المبررة” إلى تنظيم خرجات جماعية تستهدف الفقراء في القرى والجبال لجمع ملفات مرضى مؤمَّنين، وإخضاعهم لإجراءات طبية مكلفة دون مبرر طبي حقيقي.
ويعتبر أن هذه الممارسات تمثل شكلاً من “الاحتيال المقنّع” على نظام التأمين الصحي، إذ يتم استغلال جهل المواطنين وإغراءهم بمجانية العلاج لإجراء فحوصات غير ضرورية، فقط من أجل تحصيل تعويضات من صندوق وطني يُمول من أموال المغاربة جميعاً.
الطبيب ختم شهادته بنبرة تحذير قائلاً إن ما يحدث اليوم “يمسّ جوهر الثقة في المنظومة الصحية، ويحوّل التغطية الاجتماعية من آلية إنصاف إلى وسيلة استنزاف”، داعياً الجهات الوصية إلى فتح تحقيق عاجل في مثل هذه الممارسات، ووضع حد لتحويل المرضى الفقراء إلى وسيلة ربح في يد بعض المصحات الخاصة.