كلاش بريس /. عبد الله. ع
من قبة البرلمان، وفي لحظة بدت أنها عفوية لكنها محمّلة بالرسائل، وجّه رئيس الحكومة عزيز أخنوش انتقادات مباشرة لرئيس جماعة بوكماز، وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والإعلامية، وفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول خلفيات هذا الهجوم وتوقيته، والأهم من ذلك: من يوجه رئيس الحكومة في مثل هذه اللحظات الحساسة؟
المعروف أن عزيز أخنوش لا يشتغل وحده بل إلى جانبه طاقم واسع من المستشارين والمقربين، من داخل حزب التجمع الوطني للأحرار ومن خارجه، يُفترض أنهم حريصون على رسم الخطوط الدقيقة في تدبير التواصل السياسي، ويقدمون المشورة لتفادي الزلات، خاصة في الفضاءات الرسمية التي تُوثّق كل حرف. ومع ذلك، يبدو أن هذا الطاقم – أو “السطاف” كما يُقال – فشل في تنبيه رئيس الحكومة إلى أن مهاجمة رئيس جماعة محلية، ولو اختلف معه، قد يتحول إلى “هدية سياسية مجانية” للمعارضة، وخاصة لحزب العدالة والتنمية، الذي سرعان ما استثمر الموقف إعلامياً وسياسياً.
فهل فعلاً لم يُنبّه أحد أخنوش إلى خطورة توجيه سهام النقد المباشر نحو منتخب محلي؟ وهل مرّ الأمر دون أن يُطرح داخلياً؟ أم أن طاقمه الاستشاري لم يكن في مستوى الحدث؟ وإذا كان هذا هو الصائب ، فإننا أمام إشكال أكبر من مجرد تصريح مثير، نحن أمام خلل في آليات الاشتغال السياسي داخل الحكومة، وفي منظومة صناعة القرار والتواصل العمومي.
إن من مهام الفريق المحيط برئيس الحكومة رصد التفاعلات، استباق الردود، وقراءة المشهد السياسي بحذر، لتفادي الوقوع في فخاخ الخصوم. لكن أن تمر لحظة الهجوم تلك دون اعتراض، فذلك يطرح علامات استفهام حول كفاءة هذا الفريق، ومدى وعيه بحساسية التوازنات السياسية في البلاد.
بلغة أوضح: إذا كان أخنوش قد استشار فعلاً، وجاء الرد بالإيجاب أو بالصمت، فإن الأمر يستدعي إعادة النظر في من يوجهون رئيس الحكومة، لأن عدم إدراك الأثر السياسي لمثل هذه “اللقطة” يدل إما على انعدام الحنكة السياسية، أو على خفة في تقدير المواقف، وكلاهما مقلق.
أما إذا لم يستشر أحداً، وقرر الحديث بشكل عفوي، فهنا نكون أمام مشكل آخر: اتخاذ قرارات أو إطلاق مواقف من أعلى سلطة دون فحص أو تدقيق، وهي سابقة خطيرة في تدبير الشأن العام.
في كلتا الحالتين، لم يكن أخنوش بحاجة إلى هذا الصدام، ولم يكن المغاربة بحاجة إلى مشهد يُعيد شحن الأجواء السياسية، في وقت ينتظر فيه الجميع أجوبة عن هموم أكثر إلحاحاً.
قد تكون زلة لسان، أو لحظة انفعال، لكنها في السياسة ليست معذورة. فالكلمات تُحسب، والتصريحات تُوظّف، والخصوم لا يضيعون الفرص…