عاشوراء : من إحتفالات الماضي إلى عنف الحاضر

6 يوليو 2025
عاشوراء : من إحتفالات الماضي إلى عنف الحاضر

كلاش بريس

في زمن مضى، كانت عاشوراء محطة فرح وبهجة، تجمع الناس على البساطة والاحتفال الشعبي، يتقاسمون فيه لحظات البراءة والفرح الجماعي. لم تكن سوى مناسبة لتقوية الروابط الاجتماعية، وإحياء طقوس تراثية تزرع الدفء في النفوس، وتمنح الأطفال فسحة للعب والانتماء. لكن ما نعيشه اليوم يشي بانزلاق خطير، حيث تحولت المناسبة من طقس اجتماعي جماعي إلى مشهد عنف وانفلات أخلاقي، تعلو فيه الحجارة على الكلمات، والدخان على ضوء الشموع.

ما نشهده في شوارعنا من أحداث شغب وضرب وتخريب خلال يوم عاشوراء، لا يمكن أن نفصله عن مظاهر الانحلال القيمي التي باتت تضرب في عمق المجتمع. لم يعد الطفل أو الشاب يجد في محيطه رموزًا حقيقية يقتدي بها، ولا مؤسسات قادرة على أن تمنحه معنى لما يقوم به. أمام فراغ أخلاقي وتربوي مخيف، تتحول عاشوراء إلى مناسبة لتفريغ العنف، بدل أن تكون لحظة لتطهير الروح أو الاحتفال البريء.

المشكل لم يعد في عاشوراء نفسها، بل في الأجيال الجديدة التي تَلقّت تربية مبتورة، بلا مرجعية واضحة، ولا توجيه صلب. نعيش اليوم وسط تآكل القيم داخل الأسرة، وغياب القدوة في المدرسة، وانسحاب المجتمع من دوره التأطيري، مقابل صعود محتوى تافه وعنيف على مواقع التواصل، يملأ هذا الفراغ بمظاهر التمرد والعبث. من هنا نفهم كيف أصبح ضرب عناصر الأمن أو تخريب الممتلكات العامة جزءًا من طقوس الاحتفال، وكأن الفوضى صارت شكلاً من أشكال التعبير عن الذات.

عاشوراء لم تعد سوى مرآة تعكس حال مجتمع يتفكك ببطء، وتتحلل فيه الروابط التي كانت تشد أفراده إلى بعضهم. حين يتحول الاحتفال إلى عنف، والمناسبة إلى صدام، فإننا أمام جيل لم يجد من يدلّه على الطريق، فاختار أن يرسم مساره وسط الظلام. في ظل هذا الانحلال، لم يعد للسؤال عن “قيمة عاشوراء” معنى، بل الأجدر أن نسأل: ما الذي تبقّى من إنسانيتنا، إذا كنا نحتفل بالحجر والنار؟

لكن رغم هذا المشهد القاتم، لا تزال هناك إمكانيات للاستدراك، إذا توفرت إرادة جماعية. أول خطوة تبدأ من إعادة الاعتبار للتربية داخل الأسرة، لأن البيت هو أول مدرسة للقيم. المدرسة بدورها مطالبة بالخروج من قوقعة التلقين، لتتحول إلى فضاء لصناعة المواطنة، وتعليم المسؤولية والاحترام. لا بد من دعم الجمعيات الجادة التي تشتغل في الأحياء الشعبية، وتوفير بدائل ثقافية وترفيهية للشباب في هذه المناسبات، بدل تركهم فريسة للشارع. أما الإعلام، فعليه أن يلعب دوره في التوعية لا في تلميع الفوضى، وأن يمنح الكلمة لمن يزرع القيم لا لمن يبيع التافه.

السلطات كذلك مدعوة إلى تجاوز الحلول الأمنية الظرفية، والاشتغال على مشاريع وقائية طويلة المدى، تُعيد الاعتبار للفضاء العمومي، وتربط الناس بالمعنى لا بالخوف من العقاب. وحده العمل المشترك بين الأسرة، المدرسة، الدولة، والمجتمع المدني، قادر على استرجاع بهجة عاشوراء، ورد الاعتبار للإنسان فينا قبل كل شيء.

ان ما وقع بمدينة سلا خلال ليلة عاشوراء، من مواجهات دامية واستعمال مفرط للحجارة، وإحراق للعجلات وحاويات الأزبال، يمثل انزلاقًا خطيرًا يجب إدانته بقوة. أن تتحول مناسبة احتفالية إلى ساحة للعنف والاعتداء على عناصر الأمن والوقاية المدنية، هو أمر مرفوض أخلاقياً ومجتمعياً، ويكشف إلى أي مدى أصبح بعض الشباب يخلطون بين الحرية والفوضى. فالعنف ليس تعبيراً، ولا الشغب شكلاً من أشكال الاحتفال، بل هو انهيار في الوعي الجماعي، يستوجب مساءلة تربوية وأمنية، واستنهاض دور الدولة والمجتمع قبل أن يتسع الخرق على الراتق.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة