كلاش بريس / الرباط
في زمن ليس ببعيد، كانت عاشوراء مناسبة خاصة في قلوب المغاربة. يوم من أيام الفرح العائلي البسيط، حيث تُفرش الطاولة بـ”فاكهة الجافة “…فيها تتعالى ضحكات الأطفال وهم يلعبون بـ”زمزم” .. كانت كل أسرة، مهما كان مستواها المادي، تجد دائمًا ما يكفي لإحياء هذه الشعيرة بطريقتها.
لكن هذا العام، يبدو أن عاشوراء مرّت على المغاربة بثقل وحزن. لم يعد الناس يتحدثون عن “الفاكية ” أو الفرح داخل البيوت، بل عن الكراء، فاتورة الماء والضوء، أسعار الخضر، وقنينة الغاز. كل شيء أصبح غاليًا، وكل شيء صار يُقاس بالحاجة القصوى. لم تعد الأسر تُفكر في الاحتفال، بل في النجاة من يوم ليوم.
في الأسواق، “فاكهة عاشوراء” حاضرة لكن بدون إقبال. الأسعار نارية، والقدرة الشرائية منهارة. لوز، كركاع، زبيب، حمص… كلها صارت خارج متناول الغالبية… الأمهات يتحسرن،… والآباء يختلقون الأعذار. والأطفال لا يفهمون ماذا يحدث
يقول الحاج مصطفى، رب أسرة من الطبقة المتوسطة:
“كنت كنجمع ولادي وكنقلسو فليلة عاشوراء..نضحكو ونقسمو ماتبسر .. دابا حتى ثمن اللوز ولى بحال الدهب، ما قدرتش نشري حتى كيلو فاكهة.”
من جهته، عبّر خالد، عامل يومي، عن شعوره بالذنب تجاه أبنائه قائلاً:
“عاشوراء كانت كتفرحنا، واليوم ولات كتخلينا نحسو بالنقص. ولادي كيشوفو الفاكهة فالمحل، وأنا كنقلب على أرخص خضر باش نصاوب الكاميلة
الناس تهلكات. الأسر لم تعد تبحث عن الفرح، بل عن الضروريات. لم تعد عاشوراء مناسبة للابتهاج، بل صارت محطة جديدة تُذكّر المواطن بما فقده من كرامة، ومن قدرة على أن يعيش كباقي الناس. تحوّل المغربي، في نظر البعض، إلى مجرد آلة تعمل طوال الشهر لتؤدي الفواتير، وتدبر ما أمكن للعيش. لا وقت للفرحة، لا ميزانية للفرحة، ولا حتى مساحة نفسية للاحتفال.
وسط كل هذا…الحكومة غائبة. لا إجراءات واقعية لمواجهة الغلاء، لا دعم مباشر للطبقات المقهورة، لا استجابة لأنين المغاربة. كأن الوضع لا يعنيها. المواطن تُرك وحيدًا، يصارع ارتفاع الأسعار، وتآكل الأجور، واختفاء الفرح من المناسبات الدينية والاجتماعية.
عاشوراء كانت رمزًا للبساطة والفرح، واليوم أصبحت عنوانًا للصمت والانكسار. وبين زمن الشموع وزمن الشقاء، يقف المواطن المغربي حائرًا، يسأل نفسه: واش باقي شي عيد نستحقوه؟