كلاش بريس / خريبكة
لم يعد المكتب الشريف للفوسفاط يحتل نفس المكانة في أذهان شباب خريبكة كما كان في السابق. فبعد أن كان الحلم المشترك لأغلب أبناء المدينة، أصبح الكثيرون منهم اليوم يرون في OCP مجرد مؤسسة بعيدة المنال، لا تعنيهم إلا من خلال الغبار والضجيج والمآسي البيئية.
طوال سنوات، ربطت ساكنة خريبكة بين الثروة الفوسفاطية ومفاتيح الاستقرار الاجتماعي، وكانت فرص الشغل داخل المجموعة تُعتبر امتيازًا ينقل الشاب من هامش البطالة إلى قلب الاندماج المهني. لكن مع التحولات الأخيرة، خصوصًا اعتماد نظام التوظيف عن طريق شركات المناولة، تراجع الإقبال على هذه الوظائف، وبدأ الشك يتسلل إلى نفوس العشرات، خاصة أولئك الذين حصلوا على شواهد تقنية ومهنية على أمل الظفر بوظيفة تحفظ كرامتهم.
المُقلق في الأمر، حسب شهادات العديد من الشباب، هو أن الولوج إلى هذه الشركات نفسها لم يعد متاحًا للجميع. فحتى من يرغب في القبول بشروطها، يصطدم بمنطق الزبونية و”باك صاحبي”. إذ غالبًا ما تُحسم لوائح التشغيل خلف الأبواب المغلقة، ويشعر أبناء الطبقات البسيطة بأنهم خارج المعادلة، ما لم يتوفر لهم “الوسيط” المناسب أو الانتماء العائلي المناسب.
أمام هذا الواقع، انزاحت البوصلة. لم يعد OCP حلمًا جماعيًا، بل تحوّل إلى مؤسسة مغلقة في نظر الكثيرين. والنتيجة؟ موجة صامتة من الهجرة، نحو مدن كبرى، أو نحو أوروبا، أو حتى نحو الصحراء، حيث فرص العمل في البناء أو الحراسة أو الفلاحة تبدو أكثر واقعية من الانتظار خلف أسوار الفوسفاط.
وبات من المألوف اليوم أن تجد شابًا في الثلاثين من عمره، يحمل دبلومًا تقنيًا أو شهادة جامعية، ويعمل في مهنة بسيطة في الدار البيضاء أو أكادير أو حتى خارج الوطن، بعد أن فَقَد الأمل في الاندماج داخل منظومة اقتصادية يعيش في قلبها، لكنه لا يحس بالانتماء إليها.
ومع كل هذا، لا يمكن إنكار أن OCP كان له دور محوري في تحريك عجلة التنمية بالإقليم، وأن العديد من المشاريع، سواء في البنيات التحتية أو دعم الجمعيات، ما كانت لترى النور لولا مساهماته المباشرة أو غير المباشرة. فالمجموعة ضخّت تمويلات مهمة في مشاريع ذات طابع اجتماعي وتنموي، وساهمت في إنجازات عديدة
لكن رغم هذه الجهود، يبقى التحدي الأكبر اليوم هو ربط هذه الدينامية التنموية بإحساس حقيقي بالعدالة المجالية والاجتماعية، وإعادة بناء جسور الثقة مع الشباب، خصوصًا في ما يتعلق بفرص التشغيل والإدماج.
في خريبكة… حلم الأمس أصبح عبئًا نفسيًا، والهجرة صارت حلًا بديهيًا لا يحتاج إلى تبرير.