حين تشيخ الأحزْاب المغربية .. ويُدفَن معها الأفق السياسي

19 سبتمبر 2025
حين تشيخ الأحزْاب المغربية .. ويُدفَن معها الأفق السياسي

كلاش بريس / حسين بومهاوتي

لا يمكن تفسير ظاهرة العزوف السياسي وغياب الشباب عن المشاركة الحزبية دون وضع الأصبع على الجرح: المنظومة الحزبية وصلت إلى الباب المسدود.

فقد تعالت أصوات مفكرين وفاعلين ومحللين جاهروا بحقيقة مفادها أن هناك أزمة عميقة ضربت الأحزاب المغربية في مسارها وانحدارها، أزمة تُلزمها بالتوقف ومراجعة أساليبها وقوانينها التي عوض أن ترتقي بها، أنزلتها إلى الحضيض.

والمقصود هنا ليس فقط الأحزاب الوطنية التقليدية، بل حتى اليسارية منها، التي كانت تشكل في الماضي ملاذاً للشعب، وركيزة يُعوَّل عليها لتجاوز المطبات.

اليوم نحن أمام عزوف خطير، وهو مؤشر على حالة مرضية لمجتمع فقد الثقة في الأحزاب وفي سياسة أصبح مغيَّباً عنها، فباتت لا تعنيه. هذه الأزمة مردها بالأساس إلى الفساد المستشري، والدليل تواجد أطر حزبية في السجون وبعضهم محل متابعة قضائية في قضايا مشينة.

الأخطر من ذلك هو إقدام رؤساء الأحزاب على تغيير أنظمتها الداخلية بهدف الاستمرار في القيادة لولايات إضافية، وكأن الهدف تخليد الزعامة إلى أن يتدخل “ملك الموت”.

وعندما ننظر إلى التجارب الديمقراطية الغربية نجد أن الشباب يتصدر المسؤوليات الكبرى:

الفنلندية سانا مارين تقلدت الوزارة في 27 سنة، ثم أصبحت رئيسة للحكومة في 34.

الدانماركية ميتي فريدريكسن رئيسة وزراء في سن 41.

رشيدة داتي وزيرة العدل بفرنسا في سن مبكرة.

نجاة بلقاسم وزيرة التعليم وناطقة باسم الحكومة الفرنسية.

جاسيندا أرديرن، رئيسة وزراء نيوزيلندا الشهيرة، في 37 سنة.

بل إن تاريخنا الإسلامي يعطينا النموذج الأرقى، حين كلف الرسول ﷺ الشاب أسامة بن زيد، وهو في الثامنة عشرة، بقيادة جيش فيه أبو بكر وعمر، وهما من كبار الصحابة والخلفاء الراشدين.

فلماذا تصر أحزابنا على الاحتفاظ بوجوه شاخت وخَرِفت وأصابها الوهن، رافضة التخلي عن الكراسي مرددة أسطوانة “النضج السياسي”؟ بل الأخطر حين يسعون لتوريث المناصب لأبنائهم وكأنها ملكية خاصة، فيُهمَّش الشباب وتُسحق الكفاءات.

ماذا بقي لهاته الأحزاب لتقول للشباب؟ لقد غاب المناضلون الحقيقيون، واستقال الشرفاء، وبات المشهد الحزبي فارغاً من المصداقية.

الخلاصة: المحتوى القيمي والتاريخي للأحزاب انتهى، والحاجة اليوم باتت ملحة لتغيير القوانين الحزبية، ومنع التوريث، وفتح الأبواب أمام الشباب لتشكيل نخبة سياسية جديدة قادرة على تحصين الحياة السياسية من العبث. أما النخب الحالية، فمشغولة بالمصالح والتزكيات وترديد وعود لا يصدقها أحد.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة