كلاش بريس / حسين بومهاوتي
رغم أن المشرع وضع شروطًا دقيقة لتفويت أملاك الدولة الخاصة لفائدة الخواص، فإن الواقع على الأرض، خاصة في مدينة خريبكة، يكشف عن انحرافات صارخة عن روح القانون ومراميه.
بموجب قرار وزير المالية الصادر في 5 مارس 2002، فُوّضت سلطة تفويت أملاك الدولة إلى الولاة والعمال، على أن يتم ذلك وفق دفاتر تحملات واضحة ولأهداف استثمارية محددة، في مقدمتها خلق فرص الشغل لشباب المناطق المعنية. لكن السؤال الملح: هل يتم الالتزام فعلًا بهذه الدفاتر؟ وهل توجد أصلاً دفاتر تحترم مضامينها؟
ما يجري على أرض الواقع يضع هذه الأسئلة في صميم النقاش. تفويتات بالجملة لأراضٍ بأثمان رمزية لا تعكس قيمتها السوقية الحقيقية، وغالبًا ما تذهب لأشخاص بعينهم، ضمن منطق الريع والعلاقات.
في خريبكة، تحولت مشاريع باسم “الاستثمار” إلى واجهات للإثراء السريع. غابة بأجود أشجار الكاليبتوس دُمّرت في يومين، وفُوِّتت لمنعش عقاري سابقًا ليُشيد فوقها 26 عمارة إسمنتية. نفس المنطق جرى حين استفادت مؤسسة خاصة من أرض شاسعة لتبني فيلا، مسبحًا، شققًا ومحلات تجارية، لا أثر فيها لأي منصب شغل.
قُبالة الغرفة التجارية، استفاد رئيس جماعة سابق، أدين سابقًا بهدر المال العام، من بقعة بنى فيها عمارة خصصها لمكاتب للكراء. وعلى شارع مولاي يوسف، تم تفويت سكنيات الأساتذة الأجانب في الستينات لأشخاص محظوظين بثمن بخس، ليتحولوا لاحقًا إلى أثرياء يتصدرون المشهد السياسي المحلي.
هذه الوقائع ليست سوى أمثلة، تشير إلى أن تفويت الأراضي لا يخدم في كثير من الأحيان مصلحة المواطنين، بل يتحول إلى آلية لتكريس الامتيازات واستغلال النفوذ. والمقلق أن التجاوزات طالت مدنًا أخرى كمراكش وأكادير، قبل أن تستدرك الدولة الوضع وتسترجع بعض أملاكها.
فأين دور اللجان الإدارية المكلفة بالتفويت؟ ولماذا تغيب المراقبة القبلية والبعدية؟ أليس من حق الرأي العام الاطلاع على لوائح المستفيدين، وأثمان التفويت، وطبيعة المشاريع؟
لقد آن الأوان لإعادة النظر في فلسفة التفويت برمتها، وربطها فعليًا بالمصلحة العامة، بعيدًا عن التحايل تحت يافطة الاستثمار.

















