بين بنكيران وأخنوش: السياسة المغربية بين المرّ والأشد مرارة

19 سبتمبر 2025
بين بنكيران وأخنوش: السياسة المغربية بين المرّ والأشد مرارة

كلاش سياسي

في ظل المشهد السياسي المغربي الراهن، يطفو على السطح إحساس عام بالفراغ السياسي اذ صار الشعور العام محاصر بين خيارات محدودة لا تعكس تطلعاته ولا تجسد طموحاته في التغيير الحقيقي. فما إن يُذكر الحديث عن الانتخابات أو رئاسة الحكومة، حتى تُطرح الأسماء ذاتها التي ارتبطت في ذهن المغاربة بتجارب سياسية لم تُفضِ إلا إلى مزيد من الإحباط والتراجع في مؤشرات التنمية والعدالة الاجتماعية.

عبد الإله بنكيران وعزيز أخنوش، اسمان يتصدران المشهد السياسي مجدداً، رغم أن كليهما لم يكن، وفق تقييمات واسعة، في مستوى تطلعات المغاربة؛ فنكيران، مرّر قرارات صعبة مست قطاعات واسعة من المجتمع، لوم يتردد يوماً في الدفاع عنها متبجحاً بما أسماه “الإصلاح في ظل الصعوبات”، متناسياً أن كلفة هذه السياسات كانت على حساب الفئات الضعيفة والمتوسطة. أما أخنوش، فقد شهدت حكومته ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار المواد الأساسية، وتآكل القدرة الشرائية للمواطن، ما جعل شريحة واسعة من الشعب تشعر بأنها تدفع ثمن اختيارات اقتصادية لا تشارك في صياغتها ولا تستفيد من عوائدها.

لكن الإشكال الأكبر لا يكمن فقط في عودة هذه الوجوه إلى الواجهة، بل في عجز الأحزاب السياسية عن تجديد نخبها وتقديم بدائل حقيقية تقنع المغاربة بالانخراط مجدداً في المسار الديمقراطي. فأن تُختزل الانتخابات في اسمين فقط، رغم التعدد الحزبي والدعم العمومي الهائل الذي يُمنح للأحزاب، هو دليل واضح على أزمة عميقة تضرب جذور العمل السياسي في البلاد. أين هي الوجوه الجديدة؟ أين هو التشبيب الذي طالما رُفع شعاراً دون أن يُترجم إلى ممارسة؟ ولماذا تظل الأحزاب متمسكة بأسماء استهلكتها التجارب وأرهقتها التناقضات؟

إن المواطن المغربي، حين يجد نفسه أمام خيارين لا يحملان الأمل، يشعر أن العملية الانتخابية برمتها فقدت معناها. لماذا يُطلب منه أن يشارك في انتخابات نتيجتها محسومة سلفاً، وأن يختار بين خيارين أحدهما مرّ والآخر أكثر مرارة؟ وما الجدوى من صناديق الاقتراع إن كانت لا تعكس حقيقة الإرادة الشعبية، بل تكرّس وجوهاً لا تحمل جديداً سوى تدوير القديم في قوالب جديدة؟

لقد آن الأوان للأحزاب السياسية أن تعترف بأن خطابها فقد بريقه، وأن آليات اشتغالها لم تعد قادرة على مجاراة وعي الجيل الجديد، الذي يرفض الوصاية ويريد أن يرى ذاته في من يمثله. كما أن الدولة، إن كانت جادة في تقوية المسار الديمقراطي، فعليها أن تراجع آليات تمويل الأحزاب، وتربط الدعم العمومي بمدى قدرتها على التغيير والإبداع والتجديد، لا على عدد المقاعد أو الأسماء المستهلكة.

إن الأزمة التي نعيشها اليوم هي أزمة نخب، وأزمة ثقة، وأزمة مشروع. وما لم تدرك الأحزاب السياسية أن الشرعية تُبنى بالتجديد، وأن الاحترام يُكتسب بالإنصات الحقيقي للمواطن، فإن المغاربة سيواصلون الانسحاب من الشأن العام، وستفقد الانتخابات كل معنى، وسنبقى ندور في حلقة مفرغة عنوانها العجز، ومضمونها الإحباط، ونهايتها فقدان الأمل.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة