كلاش بريس
في خضم موجة الغلاء وصعوبة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المغاربة، خرج عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، بتصريحات قوية يحمّل فيها حكومة عزيز أخنوش مسؤولية حرمان المغاربة من أضحية عيد الأضحى لهذه السنة. واعتبر بووانو أن القطاع الفلاحي، الذي يُعهد إليه توفير القطيع، استفاد من اعتمادات ضخمة تجاوزت 61 مليار درهم في عهد أخنوش، دون أن ينعكس ذلك إيجاباً على وفرة الأضاحي أو على الأسعار في السوق الوطني. هذا الاتهام المباشر لا يمكن فصله عن السياق السياسي المتوتر الذي تعيشه البلاد، ولا عن محاولات البيجيدي استعادة موقعه داخل المشهد السياسي بعد التراجع الكبير الذي عرفه في الانتخابات الأخيرة.
تصريحات بووانو، وإن جاءت متزامنة مع دعوة جلالة الملك المواطنين إلى عدم ذبح الأضحية حفاظاً على القطيع الوطني، فإنها أثارت الكثير من ردود الفعل، خاصة وأنها خلت من مقترحات عملية واضحة. فبدلاً من تقديم حلول واقعية لتجاوز الأزمة الحالية، اختار بووانو لغة الاتهام المباشر التي تميل إلى تصفية الحسابات أكثر من تقديم بدائل. الغريب في الأمر أن حزب العدالة والتنمية نفسه كان لسنوات طويلة في موقع المسؤولية، وشارك في صياغة وتنفيذ السياسات الفلاحية التي ساهمت، إلى حد ما، في تكريس نفس الأعطاب البنيوية التي يعاني منها القطاع اليوم. وبالتالي، فإن اختزال المسؤولية في الحكومة الحالية فقط يبدو تجاهلاً متعمداً لحجم التراكمات والتقصير الذي طال هذا القطاع لعقود.
ورغم وجاهة بعض الملاحظات التي أوردها بووانو، خصوصاً في ما يتعلق بتوجيه الدعم إلى المستوردين بدل الكسابين الصغار، فإن الخطاب يظل ناقصاً من حيث المقترحات البديلة. إذ لم يقدم النائب البرلماني تصورات عملية لإعادة هيكلة منظومة الدعم، ولا لتقوية سلاسل الإنتاج المحلية، ولا لتمكين الفلاح الصغير من أدوات الصمود في وجه التغيرات المناخية والجفاف المتكرر. فالأزمة الحالية تتجاوز بكثير حدود شخص أو حكومة، وتكشف عن فشل أعمق يرتبط بالنموذج التنموي الفلاحي نفسه، وبغياب العدالة في توزيع الدعم، وضعف المراقبة، واحتكار السوق من طرف فئة محدودة لا تمثل قاعدة المنتجين الحقيقيين.
في المقابل، جاء تدخل جلالة الملك ليؤكد مرة أخرى البعد التضامني والواقعي في معالجة الأزمات، عبر رفع الحرج عن المغاربة وتمكينهم من تفادي كلفة ثقيلة في ظروف لا تسمح بأعباء إضافية. قرار ملكي حكيم، ولكنه في الآن نفسه إنذار واضح بضرورة إصلاح عميق للسياسات الفلاحية، بما يضمن الأمن الغذائي، ويحمي القدرة الشرائية للمواطن، ويحصن القطيع الوطني من التدهور والانقراض.
إن الرهان اليوم لا يجب أن يكون على من يرفع صوته أكثر، بل على من يملك الجرأة في الاعتراف بالمسؤولية الجماعية، ويقترح مخرجات واقعية، ويشتغل من داخل المؤسسات لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة. فالمغاربة لم يعودوا منشغلين بمن يتراشق بالتهم، بل بما يمكن أن يضمن لهم كرامة العيش في عيد لم يعد عيداً لدى كثيرين.