بنکیران.. رسائل انتخابية مبطنة بلبوس الولاء

22 يونيو 2025
بنکیران.. رسائل انتخابية مبطنة بلبوس الولاء

كلاش بريس / ع. عياش

لا يكاد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، يفوّت مناسبة سياسية أو خطابًا جماهيريًا دون أن يعيد تذكير الرأي العام بموقفه من حراك 20 فبراير، حين يقول: “عندما خرج الناس إلى الشارع، كنت من الذين عارضوا ذلك” …

كلام بات لازمة دائمة في خطابات الرجل والذي يمكن اعتباره نوعًا من التودد المكشوف للمؤسسة الملكية، وكأنه يريد أن يقول باستمرار: “أنا ما زلت بنكيران الذي تثقون به”. غير أن هذا الخطاب المكرور لم يعد يقنع كثيرين، خاصة في ظل تغير السياقات، وتزايد الوعي السياسي لدى المغاربة.

بنكيران لم يخرج بالفعل إلى الشارع سنة 2011، لكن نسبة من مناصريه كانت هناك ؛ وبالتالي، فحديثه المتكرر عن معارضته للحراك يبدو كأنه محاولة لإعادة كتابة التاريخ على مقاس طموحاته السياسية.

من الواضح أن الرجل يضع نصب عينيه الانتخابات المقبلة، ويحاول ترميم ما تبقى من صورة حزبه، ولو عبر رسائل مغلفة بالولاء والتذكير بـ”الفضل القديم”. لكنه ينسى أو يتناسى أن الشعب لا يزال يتجرع مرارة قراراته التعسفية حين كان رئيساً للحكومة، وهي قرارات ساهمت في تعميق الفجوة الاجتماعية وتآكل الثقة في الطبقة السياسية.

حين يكرر عبد الإله بنكيران في كل مناسبة أنه لم يشارك في حراك 20 فبراير، ويُقدّم ذلك كدليل على وفائه للملكية واصطفافه الدائم إلى جانب الدولة، فإنه يطمس جانبًا آخر من خطابه الذي لا يقل خطورة، بل كان أكثر استفزازًا لمؤسسات الدولة نفسها.

فبنكيران الذي يتباهى اليوم بأنه “وقف ضد الحراك”، هو نفسه الذي وقف ذات يوم على منصة وأطلق خطابًا ناريًا استشهد فيه بكلمات شيخ الإسلام ابن تيمية:

“ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أينما رحت لا تفارقني. أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة”.

وأضاف بثقة مثيرة: “نحن لا نسأل الله البلاء، ولكن هؤلاء رجالنا نتأسى بهم، ولن نتنكر لابن تيمية ولعلماء الأمة”.

ولم يتوقف عند هذا الحد، بل تحدث عن استعداد إخوانه في الحزب للفداء بأرواحهم ودمائهم، وأن السجن أو القتل لا يخيفهم، بل هو من صميم ثقافتهم.

هذا الخطاب لم يمر مرور الكرام، بل أثار قلق الملك نفسه، وهو ما أكده وزير العدل آنذاك مصطفى الرميد، حين كشف في وقت لاحق أن هذا التصريح “أغضب جلالة الملك”، لأنه يحمل في طياته لهجة تشبه التهديد الرمزي أو الاستعداد للمواجهة، حتى ولو كانت بلغة دينية.

المفارقة أن بنكيران لا يرى حرجًا اليوم في التنصل من حراك طالب بالإصلاح، بينما لا يجد غضاضة في التذكير بخطاب ديني ذي حمولة عميقة، كان أكثر استفزازًا وخطورة.

فهل نسي بنكيران أن حديثه عن “الفداء بالروح والدم” و”الاقتداء بابن تيمية” لا يليق بمن يسعى لمنصب رئيس حكومة؟ وهل يتصور أن ذاكرة المغاربة قصيرة إلى هذا الحد؟

الواقع أن مثل هذا التناقض يطرح علامات استفهام حول أهلية بنكيران السياسية، ويكشف أن خطابه لا ينبع من مبدأ، بل من موقع انتخابي ظرفي. رجل الدولة الحقيقي لا يهدد بالدم، بل يُوازن، يُعقلن، ويقود.

أما من يغيّر خطابه بحسب ميزان المصالح والفرص، فذاك لا يصلح لتولي مسؤولية بهذا الحجم مجددًا

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة