كلاش بريس /. الرباط
في الوقت الذي تطالب فيه جمعية المنتجين الفلاحيين بإقليم اشتوكة أيت باها بمواصلة الدعم المخصص لبذور ومشاتل الطماطم المستديرة، لا بد من التوقف قليلاً عند جدوى هذا النوع من الدعم، وحقيقته في ظل استمرار غلاء الأسعار،
المثير في الأمر أن الدعم العمومي الذي يُمنح لهذا القطاع، خصوصاً في ما يتعلق بزراعة الطماطم داخل البيوت المغطاة، لم ينجح يوماً في ضبط الأسعار في السوق الوطنية. فعلى الرغم من أن الدولة كانت تقدم ما يصل إلى 70 ألف درهم للهكتار الواحد، ظلت الطماطم من أكثر المواد الفلاحية تقلباً في الأسعار، وهذا يطرح السؤال الجوهري: من يستفيد فعلاً من هذا الدعم؟ وهل ينعكس فعلاً على المستهلك المغربي؟
المواطن العادي، الذي يشتري الطماطم بأثمان مرتفعة طيلة السنة، لا يشعر بأي أثر إيجابي لهذا الدعم، بل يرى فيه شكلاً من أشكال الريع الفلاحي الذي تستفيد منه قلة من المنتجين الكبار، بينما تتواصل معاناته مع غلاء المعيشة. فالمشكلة ليست في غياب الدعم، بل في غياب آليات فعالة لضبط السوق، والتحكم في مسارات التسويق والبيع والوساطة. إذ أن التجارب السابقة أثبتت أن الدعم قد يتحول إلى مجرد وسيلة لرفع أرباح المنتج، دون أن تكون له أي نتيجة اجتماعية ملموسة.
ثم إن استمرار الاعتماد على الدعم في كل موسم فلاحي يعكس نوعاً من العجز عن تدبير القطاع وفق منطق الإنتاجية والنجاعة. الدعم يُفترض أن يكون ظرفياً، موجهاً لفئات معينة تعاني فعلاً من هشاشة، لا أن يتحول إلى قاعدة دائمة تُنتظر مع كل موسم كأنها حق مكتسب، في وقت تمر فيه البلاد من أزمات اقتصادية ومائية خانقة. فمن غير المقبول أن تواصل الدولة ضخ أموال ضخمة دزن تحقيق التوازن في السوق.
أما التحديات التي تقول الجمعية إن الفلاحين يواجهونها، مثل انتشار مرض “التوتة”، وظهور فيروسات جديدة، والقيود المفروضة من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية على بعض المبيدات، فهي تحديات حقيقية، لكن التعامل معها لا يقتضي بالضرورة ضخ 70 ألف درهم في الهكتار الواحد على اعتبار أن الوزارة تملك من الوسائل والإمكانيات ما يجعلها قادرة على دعم البحث العلمي الزراعي، واستقطاب حلول مبتكرة ومراكز تشخيص ومراقبة، بتكلفة أقل وأثر أوسع من الدعم المباشر. وإن كانت هذه فعلاً تحديات تقنية، فالمطلوب أن تتحمل الدولة مسؤوليتها عبر المواكبة البيولوجية والتقنية، لا عبر ضخ الأموال بشكل مفتوح في جيوب المنتجين، دون مراقبة لنتائج هذا الدعم على أرض الواقع.
المفارقة أن الطماطم، رغم كل ما يُمنح لزراعتها من دعم مالي وتسهيلات، تظل حاضرة في مقدمة المواد الغذائية التي تقود موجات الغلاء. وبالتالي، إذا كان الدعم لا يخفض الأسعار ولا يضمن وفرة معقولة، فما فائدته؟
الدعم لا يجب أن يكون غاية في حد ذاته، بل وسيلة مرحلية مرتبطة بأهداف واضحة، أبرزها استقرار الأسعار وضمان الأمن الغذائي. وعندما يغيب هذا الأثر، يتحول الدعم إلى “زيادة الشحمة في ظهر المعلوف”، أي مجرد عبء إضافي على مالية الدولة دون أي مقابل اجتماعي حقيقي. لهذا، ربما حان الوقت لإعادة التفكير في طريقة تدبير هذا النوع من السياسات، وربط أي دعم بتحقيق نتائج ملموسة لفائدة المواطن أولاً وأخيراً.