المال العام في المزاد… والشعب خارج اللعبة ( أرقام )

28 سبتمبر 2025
المال العام في المزاد… والشعب خارج اللعبة ( أرقام )

حسين بومهاوتي / كلاش بريس

كان شعار محاربة الفساد ونهب المال العام أحد أبرز المطالب التي رفعها المغاربة في زمن الغضب الشعبي، خصوصاً خلال حراك 20 فبراير، حين صدحت به الحناجر في الساحات، وتبنّته الأحزاب في برامجها الانتخابية، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية الذي جعل منه شعاراً مركزياً في خطابه السياسي.

لكن ما إن خمدت حرارة الشارع، حتى خمد معها صدى هذا الشعار، ولم يعد يُتداول إلا على ألسنة المواطنين المتضرّرين، وبعض الجمعيات الجادّة في ملاحقة ملفات الفساد، بينما تخلّى عنه الآخرون في صمتٍ مريب.

فلماذا هذا التخلّي؟ هل هو يأس جماعي من إمكانية الإصلاح؟

أم لأن الفساد بَنيويٌّ متشعّب، متجذّر في مؤسسات الدولة، ومتسلّل حتى إلى بعض الأحزاب التي يفترض فيها أن تكون حارسةً للنزاهة والشفافية؟

لقد صار المواطن المغربي، كلما اطّلع على تقارير أو أرقام حول حجم الاختلاسات ونهب المال العام، يشعر بالصدمة والخذلان. فالقائمة طويلة ومؤلمة:

التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية: نهب 117 مليار (قضية الفراع والمومني).

المخطط الاستعجالي للتربية والتعليم: 43 مليار.

فضيحة دعم المواشي: 13 مليار.

جمعية مطاحن المغرب: مليار و100 مليون، ملف يعود لسنة 1995!

المطاعم المدرسية: 85 مليون.

الخطوط الجوية الملكية: مليار.

القرض الفلاحي: 84 مليار.

مكتب الفوسفاط: 10 مليارات (رقم يُعتقد أنه أقل من الحقيقي).

قضية سعيدة العمراني، ابنة الوزير الأول السابق كريم العمراني: 11 مليار، وقد أُغلِق الملف بالتقادم!

وإذا أضفنا إلى هذه الجرائم المالية فضائح بعض رؤساء الجماعات والمجالس الإقليمية في تبديد ميزانيات ضخمة وُضعت لخدمة المواطنين، ناهيك عن التلاعبات التي كشفها المجلس الأعلى للحسابات في مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فإن حجم المأساة يصبح صادماً.
بلاد تُستنزف خيراتها بأيدي من يُفترض فيهم حمايتها، فكيف ننتظر منها أن تنهض؟

هؤلاء الفاسدون لا يكتفون بنهب المال العام، بل يُعدّون أبناءهم لتكرار التجربة نفسها، فيُدرّسونهم في أرقى الجامعات الدولية، ليعودوا يوماً ويتسلّموا المناصب ذاتها، ويواصلوا دورة النهب والامتيازات… فيما يظل الشعب رهينةً في يد نفس العائلات المتحكّمة.

وقد اكتمل هذا المشروع الإجرامي حين قرّر وزير العدل سحب مشروع قانون الإثراء غير المشروع، في لحظة كانت فيها الأصوات ترتفع مطالبةً باسترجاع المليارات التي راكمتها شركات المحروقات بعد رفع الدعم.

إنها رسالة واضحة:

القوانين تُفصّل على مقاس المستفيدين، وتُسحب حين تهدّد مصالحهم، في مشهد يكرّس الإفلات من العقاب، ويُكرّس مزيداً من الإحباط لدى المواطن.

بل إن السلطة التشريعية نفسها أضحت أداةً لتشريع قوانين تمنح الامتيازات للنافذين، وتسحب أخرى تضمن العدالة والمحاسبة، وصولاً اليوم إلى محاولة تمرير قانون الإضراب، الذي يُراد منه إخراس الأصوات الاحتجاجية وكتم أنفاس الشغيلة.

في ظلّ هذا الواقع، يصبح من المشروع أن يتساءل المواطن المغربي:
هل الإصلاح ممكن فعلاً؟ أم أننا أمام منظومةٍ متكاملة تحمي نفسها بالقانون وتُحكِم قبضتها على مفاصل الدولة؟

لقد تحوّل شعار “محاربة الفساد” من نداء وطني جامع إلى ذكرى باهتة في أذهان المغاربة، بينما يستمرّ الناهبون في عملهم بلا حسيب ولا رقيب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة