:كـــــــلاش ديني
في خرجة جديدة أثارت الكثير من الجدل، وصف وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، الخطباء الذين لا يلتزمون بالخطبة الموحدة بـ”الخوارج”، وذلك بعد أن سبق له في مناسبة سابقة أن نعتهم بـ”المرضى”. هذا التحول في الخطاب الرسمي من توصيف طبي إلى توصيف ديني-سياسي يعكس تصعيدًا في التعامل مع الأصوات الخارجة عن النسق الذي تفرضه الوزارة على منابر الجمعة، ويفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول مستقبل الخطاب الديني في المغرب.
تصريحات التوفيق جاءت في سياق تأكيده على أن 97 في المئة من الخطباء يلتزمون بالنص الموحد، وهو ما اعتبره مؤشرًا على الانضباط والامتثال، بينما صوّر من يخالف ذلك وكأنه يشكل تهديدًا للنظام العام الديني. غير أن استخدام مصطلح “الخوارج”، بما يحمله من حمولة تاريخية مرتبطة بالعنف والتمرد والفتنة، ليس مجرد وصف عابر، بل إشارة رمزية خطيرة تحمل في طياتها تخوينًا مبطنًا وتجريمًا غير مباشر لفئة من الأئمة الذين قد تكون لهم مقاربات مختلفة أو اجتهادات محلية لا تتطابق كليًا مع ما تريده الوزارة.
إن هذا النوع من التصريحات يكشف عن منطق وصاية صارم، لا يترك مجالًا للاجتهاد أو النقاش داخل الفضاء الديني، ويحوّل المنبر إلى مجرد لسان يردد ما يُكتب في المركز، بصرف النظر عن السياق أو المتغيرات الاجتماعية التي يعيشها المصلون. فهل يعني الالتزام بالنص الموحد أن الخطيب لم يعد يُنتظر منه أن يتفاعل مع قضايا الناس؟ وهل الخروج عن هذا النص يُعد خروجًا عن الجماعة كما يوحي بذلك توصيف “الخوارج”؟
من الجيد جدا أن تضبط وزارة الأوقاف الحقل الديني بما يضمن السلم المجتمعي ويمنع تسلل الخطابات المتطرفة، لكن هذا الضبط لا ينبغي أن يتحول إلى تسلط، ولا أن يُمارس بلغة تخوينية تزرع الخوف وتُقصي كل صوت غير منسجم كليًا مع التوجيهات الرسمية. الخطبة الموحدة، مهما كانت نيتها، لا يجب أن تُفرض بالإجبار والوصم، بل بالحوار والإقناع، وإلا فإننا أمام تهميش ممنهج لدور الخطيب كمثقف ديني وفاعل تربوي له كلمته ومكانته في المجتمع.
لغة التخوين، الديني الصادرة. عن التوفيق من شأنها أن تخلق حالة من الانفصال بين المؤسسة الدينية والفاعلين الحقيقيين فيها. فبدل أن تُبنى العلاقة على الثقة والشراكة، يتم تكريس منطق الطاعة العمياء والامتثال القسري، وهو منطق لا يصنع لا خطابًا دينيًا قويًا، ولا مجتمعًا واثقًا في مؤسساته

















