كلاش بريس – الرباط
عاد موضوع التصويت الإجباري ليطرح نفسه بقوة في الساحة السياسية المغربية، بعدما دعت بعض الأحزاب إلى اعتماده كوسيلة لمواجهة ظاهرة العزوف الانتخابي التي تتفاقم دورة بعد أخرى، وتهدد بشرعية العملية الديمقراطية.
هذه الدعوات تستند إلى منطق بسيط: إذا كان المواطنون يعزفون عن صناديق الاقتراع، فإلزامهم بالتصويت سيجعل المشاركة أوسع ويمنح المؤسسات المنتخبة قوة تمثيلية أكبر. غير أن التجارب الدولية تثبت أن الصورة ليست بهذه البساطة.
ففي أستراليا، حيث يُطبّق التصويت الإجباري منذ سنة 1924، ارتفعت المشاركة فعلاً إلى ما فوق 90 في المئة، لكن نسبة الأصوات البيضاء والباطلة ظلت كبيرة، وهو ما يفرغ العملية من مضمونها الديمقراطي.
وفي بلجيكا، أحد أقدم البلدان التي تبنت هذا النظام، أدى إلزام المواطنين بالتصويت إلى صعود أحزاب متطرفة، بعدما صوّت جزء من الناخبين بشكل عشوائي أو احتجاجي لمعاقبة الأحزاب التقليدية.
أما في البرازيل، فغالباً ما يجد المواطنون في المناطق الفقيرة والبعيدة أنفسهم مجبرين على التنقل لمسافات طويلة فقط لتفادي العقوبات الإدارية، ما جعل نسبة الأصوات الملغاة تتجاوز في بعض المحطات 20 في المئة.
هذه التجارب تكشف أن الإلزام يرفع الأرقام لكنه لا يرفع بالضرورة وعي الناخبين أو جودة المشاركة. بل قد يحول التصويت من حق ديمقراطي حر إلى مجرد واجب إداري، يفرغ العملية الانتخابية من بعدها السياسي الحقيقي.
في السياق المغربي، حيث تتعدد مظاهر العزوف لأسباب اجتماعية وسياسية وثقافية، يبدو أن الحل لا يكمن في فرض التصويت، بل في استعادة ثقة المواطن عبر ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتقديم عرض سياسي مقنع، وضمان نزاهة العملية الانتخابية. فالمشاركة الواعية تظل أبلغ من المشاركة المفروضة، لأنها تعبر عن مسؤولية أخلاقية تجاه الوطن أكثر مما تعبر عن خوف من عقوبة.