“احتجاجات زد”.. الكل ينتظر جواب الدولة

10 أكتوبر 2025
“احتجاجات زد”.. الكل ينتظر جواب الدولة

الكل في المغرب ينتظر جواب الدولة على حراك شباب جيل (زد) والأنظار متوجهة إلى خطاب الملك بمناسبة افتتاح البرلمان، في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر الجاري، وذلك في خضم تحولات عدة عرفتها الحركة الاحتجاجية، سواء في زخمها، أم طبيعتها وطابعها، أم في خطابها ومطالبها أم في مستقبلها.

الحراك الذي لم يكن أحد يعرف سياق تشكله، وكيفية انطلاقه، لأنه تمخض في منصات افتراضية تحولت منذ السابع والعشرين من سبتمبر الماضي إلى واقع احتجاجي، التبست به أحداث مؤلمة في اليوم الثاني له بسبب اندلاع موجات عنف وتخريب طالت القوات العمومية ومركباتها ومقارها، والممتلكات العامة والخاصة، وراح ضحيتها ثلاثة قتلى وإصابات متفاوتة في صفوف المحتجين والقوات العمومية على السواء، فكان لهذا التحول أثر كبير في توجيه بوصلة الاحتجاج وتكييف موقف السياسيين والرأي العام منه.

ومع أن شباب جيل (زد) أعلنوا المسافة عن هذا التخريب، وتشبثوا بالطابع السلمي للحراك، فإن أحدا لم يوجه اتهامه للسلطة محملا إياها المسؤولية عن بلطجة الشارع على غرار ما حصل في التجربة المصرية غداة حراك «الدفاع عن الشرعية»، فالسلطة كما شباب جيل (زد) كما السياسيين، كما الرأي العام، فوجئوا جميعا بتحول الحركة الاحتجاجية، وكيف صار الحراك الشبابي السلمي نشازا أو استثناء أمام موجة العنف والتخريب، مما دعا بعض قادة الأحزاب السياسية إلى توجيه نداء للشباب من أجل وقف هذه الاحتجاجات، والاكتفاء بالزخم السابق حتى لا تضيع نتائجه السياسية.

من الواضح أن هذا الحراك مثل فرصة مهمة لشرائح من المنبوذين والمهمشين ومن المتضررين من الأوضاع الاجتماعية، بل وحتى من ذوي السوابق العدلية، للتحرك من أجل الانتقام لمظلوميتها الاجتماعية، وذلك خارج أي تأطير قانوني أو سياسي، ودون مراعاة للنظام العام، فاستهدف العنف والتخريب ممتلكات الخواص، ممن لا دخل لهم في الوضعية الاجتماعية التي يعانون منها.

هذا التحول في طبيعة الحراك، والذي لم يكن شباب جيل (زد) راغبين فيه، ولا مخططين له، كان له تأثير كبير ليس فقط في احتجاجهم، ولكن أيضا في ردود فعل السياسيين وموقف السلطات العمومية، إذ اتضح أنه من الضروري الفصل بين هذين النوعين من الاحتجاج، السلمي الذي يقوده شباب جيل (زد) والذي يمكن توجيهه واستيعابه، والعنفي التخريبي الذي تقوده شرائح المنبوذين والمهمشين، والذي يمكن أن يدخل الاستقرار لنقطة المجهول.

التتبع الدقيق لتطور الحالة الاحتجاجية لهذا الجيل عقب التباس الفعل الاحتجاجي السلمي بالعمل التخريب ودخول شرائح المنبوذين والمهمشين إلى صلب الحركة الاحتجاجية بينت على الأقل ثلاثة تحولات أساسية في طبيعة حراك شباب جيل (زد) أولها تخفيض سقف الحراك ووتيرته، وقد ظهرت مؤشرات هذا التحول من خلال توقيف الاحتجاجات في بعض الأيام، وتجنب المساحات التي يمكن أن تكون بؤرة لاندلاع العنف والتخريب، والتركيز على المدن والمساحات التي يؤمن فيها اندلاع أعمال التخريب. والثاني، هو انتقال الخطاب من المطلبي الاجتماعي الصرف، إلى السياسي، فبعد أن كان مركز ثقل الحراك الاحتجاجي منصبا على الخدمات العمومية، وبالأخص الصحة والتعليم، صار المطلب إسقاط الحكومة، بل توجه الخطاب إلى الملك بصفته رئيس الدولة والسلطة التنفيذية. وأما الثالث، فهو التحول الذي حصل على مستوى الفهم السياسي والعلاقة بالأطر الدستورية والمؤسساتية، فبعد أن كان الحراك والخطاب غير مؤطر بأي إطار دستوري سوى ما كان من تركيز على مطالب الخدمة العمومية في الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية، صار قبل يومين من افتتاح البرلمان، يستشهد بخطابات الملك، ويراعي جملة بروتوكولات ذوقية وسياسية تجاه المؤسسة الملكية، من قبيل الامتناع عن الاحتجاج يوم الجمعة لتجنب أي تأويل بممارسة الضغط والابتزاز ضد المؤسسة الملكية، وصار مطلب إسقاط الحكومة، يتأطر ضمن الإطار الدستوري والسياسي والمؤسساتي.

ما من شك أن هناك عوامل كثيرة تحكمت في هذا التحول، منها الخوف على الحراك من انحراف قصده وتغير طبيعته من حراك احتجاجي سلمي إلى حراك عنفي تخريبي، ومنها الصرامة الأمنية في مواجهة الحراك (اعتقالات مست رموزا شبابية) ومنها أيضا سياسة الانفتاح والإدماج التي لجأت إليها السلطة أياما عن اندلاع موجات العنف، ومنها دخول السياسيين على الخط، ورغبة كل طرف أن يوجه الحراك لمصلحته السياسية، ولا يستبعد أن تكون هناك جهات داخل السلطة نفسها، أرادت أن تقطف ثمار هذا الحراك أو أن توجه بوصلته في اتجاه التمكين لبعض النخب واستبعاد أخرى، لاسيما في ظل الوضع الانتقالي الذي يعيشه المغرب، والمحكوم بتوجه تجديد النخب السياسية والإدارية والقضائية وأيضا الاقتصادية.

ثمة مفارقة مهمة ينبغي الإشارة إليها، فالظاهر أن أعداد جيل شباب (زد) تضاعفت عشر مرات، حسب بيانات المنخرطين في المنصة الرقمية ديسكورت، لكن في المقابل، يبين زخم الاحتجاج أن الأعداد قلت بشكل كبير، فصارت الوقفات لا تتجاوز العشرات كما تشير إلى ذلك وسائل الإعلام

في الجوهر، من الصعب نسبة الأرقام المسجلة في منصة ديسكورت إلى جيل شباب (زد) فمع انطلاق الاحتجاج، صار هناك طلب كثيف على هذه المنصة، من كل الأطراف، السياسيين، والباحثين والإعلاميين، والأمنيين، وأصحاب الفضول المعرفي، فضلا عن الربوتات الرقمية التي تسجل بحسابات وهمية، مما يجعل الانتقال من أقل من 20 ألفا إلى حوالي 200 ألف ضمن هذه المنصة بغير دلالة علمية من جهة تفسير تطور زخم الحراك، إلا ما كان من تبين أهمية فهمه وتوجيهه.

ومن جهة أخرى، فتراجع الوقفات الاحتجاجية وأعدادها، لا يمكن أن يعتمد كمؤشر على تفكيك الحراك وتقلص زخمه، وذلك لسببين على الأقل، الأول الحاجة إلى تفويت الفرصة على وسم الحراك بالعنف والتخريب وتأكيد مسافته عنه، والثانية، حتى لا يفسد الحراك نتائجه، بحكم أنه جاء قبيل خطاب ملكي، ينتظر فيه أن تقدم الدولة جوابها والإجراءات التي تعتزم اتخاذها للاستجابة إلى رسالة الحراك.

ثمة تباين كثير في استشراف شكل تدخل الدولة، فالبعض يرى أن الدولة ستتجه إلى إسقاط الحكومة، والدعوة لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها لاحتواء الحراك واستعادة الدولة للمبادرة، لكن في المقابل، ثمة كلفة وراء هذا الاختيار، فالدولة أبدا لا تتصرف بمنطق الخضوع للشارع، وإلا فإنها ستعطي صورة عن قوة الشارع وسطوته، وأن التغيير لا يأتي إلا من قبله، وستطلق الرصاصة الأخيرة على المجتمع السياسي الذي لا يوجد غيره لتفعيل العملية الانتخابية.

الأقرب إلى التوقع، قياسا إلى حراك الحسيمة، أن الملك، سيوجه خطابا قاسيا إلى الحكومة والنخب السياسية، وسيدفع نحو مشاريع اجتماعية جريئة وصارمة تنهي فشل الخدمة العمومية في مجالي الصحة والتعليم، لكن في المقابل، يمكن أن يعلق إنهاء دور الحكومة أو بعض وزرائها، على نتائج تحقيقات واسعة في التقصير في المسؤوليات على غرار ما وقع في مشروع منارة المتوسط بالحسيمة، وذلك حتى تفصل الدولة زمنيا القرار السياسي عن الارتباط المباشر بالخضوع للحراك.

بلال التليدي / كاتب وباحث

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة