إزدواجية الخطاب عند حزب العدالة والتنمية.. حين يهاجم الفاعل حصيلته !!!

15 أكتوبر 2025
إزدواجية الخطاب عند حزب العدالة والتنمية.. حين يهاجم الفاعل حصيلته !!!

يبدو أن حزب العدالة والتنمية يعيش هذه الأيام واحدة من أكثر لحظاته تناقضاً وارتباكاً في المشهد السياسي المغربي، إذ انتقل من موقع المسؤولية إلى موقع المعارضة دون أن يُجرِي أي مراجعة نقدية جادة لتجربته الحكومية التي امتدت لأكثر من عقد. الهجوم المتكرر الذي يشنّه الحزب على الحكومة الحالية، وإن بدا في ظاهره دفاعاً عن “الطبقات الشعبية” و”المصلحة العامة”، فإنه في جوهره محاولة يائسة لاستعادة التعاطف الشعبي الذي فقده منذ انتخابات 2021، حين عبّر المغاربة بوضوح عن نفورهم من تجربته التدبيرية.

العدالة والتنمية، وهو اليوم يرفع شعارات “الإصلاح” و”مواجهة الغلاء” و”إنقاذ المدرسة العمومية”، ينسى – أو يتناسى – أنه كان بالأمس القريب من يدافع بشراسة عن نفس السياسات التي ينتقدها الآن. في قطاع التعليم مثلاً، كان الحزب في موقع القرار عندما تمّ إقرار التوظيف بالتعاقد، وهو القرار الذي فجّر موجات احتجاجية واسعة وأضعف ثقة الأطر التربوية في الدولة. بل إن وزراء الحزب أنفسهم كانوا أول من برّروا تلك السياسات وهاجموا معارضيها بدعوى “الإصلاح العسير”.

أما في قطاع الصحة، فقد عاش المغاربة سنوات من التدهور البنيوي في الخدمات الصحية، ومن خصاص الموارد البشرية إلى انهيار البنيات التحتية، وكل ذلك خلال فترة إشراف وزراء العدالة والتنمية على القطاع. لم نسمع حينها خطاباً إصلاحياً بقدر ما كنا نسمع تبريرات للضعف وسرديات عن “المجهودات المبذولة” و”الإنجازات غير المسبوقة” التي لم يلمسها أحد على أرض الواقع.

وفي ما يخص معيش المواطن، فإن رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران ما زال في ذاكرة المغاربة باعتباره أول مسؤول سياسي واجه الرأي العام ليقولها صراحة: “أنا اللي زدت عليكم”. كانت تلك لحظة مفصلية كشفت بوضوح طبيعة توجه الحزب في تدبير الشأن الاقتصادي والاجتماعي، إذ اختار الحلول السهلة التي تثقل كاهل المواطن بدل البحث عن إصلاحات بنيوية حقيقية.

لذلك، فإن عودة الحزب اليوم إلى خطاب المعارضة، بلغة مشبعة بالانتقاد واتهام الحكومة الحالية بـ”الفشل” و”اللاعدالة الاجتماعية”، لا تبدو سوى محاولة مكشوفة لاستمالة الرأي العام، عبر خطاب مزدوج يخلط بين النسيان الانتقائي والتمثيل المسرحي للغضب الشعبي. فالحزب يتحدث وكأنه لم يكن يوماً في موقع القرار، وكأن المغاربة لا ذاكرة لهم، ولا سجلّ لتلك السنوات التي تركت ندوباً في التعليم والصحة والقدرة الشرائية.

إن اللعبة السياسية، كما تظهر اليوم، باتت مُمسوخة. الخطاب الشعبوي الذي يرفع الشعارات نفسها التي استُهلكت في الماضي، لم يعد يقنع أحداً. فالمغاربة اليوم أكثر وعياً وتمييزاً، يدركون أن من كان بالأمس جزءاً من المشكلة لا يمكنه أن يكون اليوم جزءاً من الحل.

ازدواجية الخطاب هذه، بين ماضٍ تدبيري فاشل وحاضرٍ معارض صاخب، ليست سوى انعكاس لأزمة هوية يعيشها الحزب، الذي لم يجد بعد مكانه الجديد في الخارطة السياسية. وبين هجومه المتكرر ومحاولاته المستمرة للظهور في ثوب المنقذ، يبقى السؤال الحقيقي:
هل يمكن لمن ترك وراءه حصيلة مثقلة بالإخفاقات أن يُقنع المغاربة اليوم بأنه حامل مشروع الإصلاح؟

أن الحكومة الحالية ليست بريئة من الأخطاء، فقد ارتكبت مجازر اجتماعية واقتصادية واضحة، وشرعنت ـ بطريقة أو بأخرى ـ مظاهر الفساد المالي عبر صفقات غامضة وامتيازات غير مفهومة، وقرارات زادت من اتساع الهوة بين الفئات الميسورة والمواطن البسيط. لكن، ورغم كل ذلك، فإن هذا لا يمنح حزب العدالة والتنمية حقّ التحدث باسم الإصلاح، لأنه أحد أبرز من أسّسوا لهذا المسار حين كانوا في الحكم، وأول من فتح الباب أمام نفس الممارسات التي يندد بها اليوم.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة